في وقت يضع تيار مقتدى الصدر في العراق اللمسات الأخيرة لصلاة جمعة «مليونية» احتجاجية، مقررة في بغداد بعد غد، تدير القوى الحليفة لإيران مشاورات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة بثقة عالية؛ بعد أن هيمنت على الأغلبية النيابية إثر استقالة 75 نائباً «صدرياً».

ويهيمن نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق، على قوى «الإطار التنسيقي» التي حلت بديلاً عن الصدر في البرلمان، وطوال أيام عيد الأضحى نجح المالكي في إفشال محاولات أطراف معتدلة بناء تهدئة مع التيار الصدري وحليفه الزعيم الكردي مسعود بارزاني، وهما الأكثر غضباً على ما آلت إليه الأمور، إذ استطاعت طهران منعهما من تشكيل الحكومة، رغم امتلاكهما أغلبية نيابية مطلقة.

Ad

وانشغلت الأوساط السياسية بمحاولات تهدئة استندت إلى تحذيرات كبيرة من تصادم محتمل بين الحكومة المقبلة والتيار الصدري، وطوال الأيام الماضية، خرجت أبرز الرسائل من عمار الحكيم وحيدر العبادي وهادي العامري، لكن جناح المالكي، كما تؤكد أطراف مشاركة في المفاوضات لـ«الجريدة»، يعتقد أن انسحاب الصدر فرصة لا تتكرر كي يعود حلفاء طهران إلى السلطة، بعد غياب مرير في عهد مصطفى الكاظمي.

ويحذر جناح الحكيم والعبادي وآخرون، من عواقب وخيمة إذا تشكلت حكومة يرفضها الصدر وبارزاني، بوصفهما يقودان أوسع التيارات الشعبية المتماسكة في العراق.

وترى مصادر متطابقة، في بغداد وأربيل، أن لدى الصدر وبارزاني أوراقاً كثيرة رابحة، إذا قررا إحباط تشكيل حكومة الإطار، حتى لو دعمت طهران المالكي والفصائل بالحد الأقصى.

وذكرت هذه المصادر أن الرأي العام العراقي متخوف جداً من عودة المالكي والفصائل إلى السلطة، لأن ذلك سيعني العودة إلى سياسات ما قبل حراك «تشرين» الشعبي عام 2019 .

كما أن الصدر سيستفيد في معارضته لتشكيل حكومة الإطار من أجواء عربية ودولية، لأن جهود حلفاء طهران ستعني ظهور حكومة مشكوك في نواياها داخل المحيطين العربي والدولي، وتبديداً لأجواء المقبولية التي نجحت حكومة الكاظمي في ترسيخها خلال العامين الماضيين.

ولا يريد الصدر أن يتورط في تصادم ميداني مع الحكومة، بل يحث أتباعه على التزام السلمية في احتجاجهم، لكن سيرة التيار الصدري في الاحتجاج تشير إلى أن قيادييه يستخدمون تعبيراً فضفاضاً للاحتجاج السلمي، حتى حين اقتحموا مبنى البرلمان عام 2016، وأجبروا الحكومة على تغيير معظم الوزراء الحزبيين يومذاك.

ويتابع العراقيون استعدادات الصدر بقلق، ويستذكرون اعتصام الصدر قبل ستة أعوام، داخل خيمة في المنطقة الخضراء، وتكتيكاته المفاجئة والدراماتيكية في إحراج باقي الأطراف. كما انشغل العراقيون بمقارنات بين الأجواء المتحفزة في بغداد، والاحتجاجات التي اقتحمت أو حاصرت مقرات الرئاسة والبرلمان أخيراً، في ليبيا وسريلانكا والأرجنتين.

وأنتج شبح عودة المالكي والفصائل إلى السلطة، مشاعر متناقضة، حتى أن شخصيات عراقية معارضة وجدت الفرصة سانحة لصوغ معلومات وبثّ شائعات، عن تدخل دولي «وشيك» سيؤدي إلى انقلاب وتغيير ومحاكمة الطبقة السياسية التي فشلت في إدارة البلاد.

ويتزامن هذا التصعيد المحلي، مع قمة جدة، التي سيشارك فيها إلى جوار دول الخليج ومصر، الرئيس الأميركي جو بايدن، ويفترض أن يحضرها رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي، وسط قلق جدي لدى المالكي وحلفائه، من تأثيرات العاملين الدولي والإقليمي على أحلامهم بالعودة إلى السلطة.

* بغداد - محمد البصري