عن الاغتراب البيئي... الأمن الغذائي والاستدامة البيئية
كنت قد شرفت بإدارة ندوة منذ أسابيع قليلة للجمعية الكويتية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار، خُصصت لمناقشة موضوع الساعة وحديث الجميع من العامة والخاصة، ألا وهو «الأمن الغذائي في دولة الكويت» والتي أتاحت لي الفرصة للتحضير لمحاورها الشيقة والاستماع إلى آراء خبراء في هذا المجال كذلك ونظرتهم للموضوع في سياق كويتي بحت. ولكن في وقت التحضير لها تفتقت لدي وتبادرت إلي عدة محاور ونقاط علمية بحكم تخصصي، تُعنى بالاستدامة البيئية وارتباطها بالموضوع هذا، خصوصا حين استكملنا الحديث ذاته مع مجموعة من المختصين والناشطين في المجال؛ فقد ارتأيت أن أضع الخلاصة ما بين سطور مقالي هذا مع نظرة علمية تحليلية للموضوع من زاوية بيئية مطعماً به الآراء الفنية التي خلصت لها في الأيام الماضية. يعرف الأمن الغذائي باختصار بإمكانية الحصول على الأغذية ذات القيمة العالية والصحية للأفراد مع المحافظة على مبدأ العدالة الاجتماعية في التوزيع بين أفراد المجتمع، ولكن يغفل الكثيرون أن مسألة الأمن الغذائي هي في الواقع مرتبطة بأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر للأمم المتحدة والتي تركز في نهاية مطافها على تشكيل «خارطة طريق» أممية منحازة للفقراء تهدف كذلك إلى الحفاظ على البيئة بطريقة مباشرة ومستدامة، فبدون ذلك ينتفي المقصد من هذا كله. لا يوجد بلد مكتفٍ بنسبة 100 في المئة من ناحية الأمن الغذائي، ولا يمكن أن يكون، فالكل يعتمد على الآخر في سلسلة تراتبية، ولكن الأهم من هذا الآن هو مفهوم الاستدامة البيئية والحفاظ على ما تبقى لنا من إرث بيئي في دولة الكويت. أحد أهم العوامل التي تستطيع الدولة أن تتحكم بها (وبسهولة كبيرة باعثة الطمأنينة في قلوب الجميع) هو تعزيز مخزونها الاستراتيجي من بعض المنتجات الزراعية، ذلك الأمر الذي استطاعت دولة الكويت أن تتخذ فيه إجراءات عدة لعل أبرزها تخصيص حيازات زراعية لمواطنين يستطيعون أن يقوموا من خلالها بالزراعة والحصاد لعدد من المنتجات ذات الأهمية الاستراتيجية في الأسواق. وكما انفردت جريدة «الجريدة» بتغطية الندوة سالفة الذكر بحرفية عالية، قامت أيضا «الجريدة» بنشر إحصاءات دقيقة ومهمة في 10 فبراير 2022 تفيد توافر أكثر من خمسة آلاف حيازة زراعية (مزرعة) في الدولة، ولا ينتج منها فعلياً إلا 140 فقط، مع انخفاض ملحوظ في اللحوم الحمراء بنسبة 21 في المئة رغم زيادة عدد الجواخير بنسب مهولة!! كل هذا يطرح عددا من التساؤلات عن مدى جدية الدولة في مراقبة مثل تلك الحيازات ومدى جديتها أيضا في اتخاذ قرارات السحب من المنتفعين الذين لا يؤدون المطلوب ويتخذونها كاستراحة صيفية/ ربيعية لا أكثر، والأهم هنا هو مدى جدية مراقبة تلك الحيازات للمنتجات المطلوبة في الأسواق ومن تم تخصيص له حيازات على مدى آلاف الأمتار دون أي فائدة ترجى منها «خشمك اذنك طبعا»!
وكما أن تحقيق مخزون زراعي وعدد من الحيوانات والدواجن أمر مهم للدولة بشكل رئيسي، لا يمكن الإغفال عن الحقيقة المرة بأن مناخ وبيئة الكويت القاسية يستوجبان المتابعة الحثيثة دائما وأبدا فيما يخص إعادة تأهيل الأراضي ومتابعة خصوبة التربة ومعدلات السموم والمعادن وخلافه. فمنذ تطوير مبدأ (الزراعة المحافظة) منذ أكثر من خمسة وسبعين سنة بهدف الحفاظ على أهلية الأراضي الزراعية والعالم ينظر دائما إلى المحافظة على خصوبة التربة وقت الزراعة والعمل على رفع كفاءة المنتجات كذلك. كل تلك الأمور يجب ألا نغفل عنا هنا في الكويت ويجب الحد من مسألة الاعتقاد بأن الزراعة موضوع خاص بالمزارعين فقط دون الالتفات إلى البيئة وصحتها والحفاظ عليها (طالع ورقة و. حسن وآخرين 2022) https://doi.org/10.1016/j.iswcr.2022.01.005).( كما وجب دعم المنتج المحلي وتسهيل الوصول إليه بكل يسر، بل العمل على تشجيع أسواق المزارعين داخل المناطق السكنية للحصول على تلك المنتجات بشكل مباشر وسهل، كما هو الحال في العديد من بلدان الغرب. كل تلك المسائل تحتاج إلى الالتفات إليها في قادم الأيام ليكون أمننا الغذائي متيناً وصناعة القرار فيه واتخاذه من صالح الوطن والمواطن. على الهامش: الواقع في الساحة السياسية يقول إن المرحلة القادمة ستكون فوضوية الملامح في ظل احتدام صراع النفوذ والحفاظ على تراكم الثروات في طبقة دون غيرها، فمن الطبيعي أن تحافظ القوى الرجعية على مكتسباتها التاريخية، ومن الطبيعي ظهور شخصيات طارئة على المشهد. نفتقر إلى الطرح الوطني المتزن في الفترة الآنية التي تحمل هم المواطن والوطن دون تكسبات انتخابية أو وضع قطع (للبيع بالمال السياسي) على جبينها. هامش أخير: ونحن نسرد دور الحكومة في تشجيع الزراعة والاهتمام بالمنتجات المحلية وخلافه نجد أيضا أسئلة موجهة لوزير العدل من النائب مهند الساير تستفسر عما إذا تم حرمان عدد من المزارعين من المشاركة في الجمعية العمومية لاتحاد المزارعين؟! يبدو أن مشوارنا طويل والتحديات كبيرة في تمكين المزارع الكويتي المنتج.