بقايا خيال: خطاب العهد والآمال الكبار
لقد كان تأكيد سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد على عدم تدخل السلطة في اختيارات الشعب لممثليه، أو اختيارات مجلس الأمة القادم في اختيار رئيسه أو لجانه المختلفة، بلسماً على قلوب المخلصين من أبناء الكويت، لأننا متفقون على أن يكون مجلسا الوزراء والأمة سيدَي قراراتهما، وليعود إلى عرين دستورنا مبدأ تعزيز المشاركة الشعبية والفصل بين السلطات، كركيزة من ركائز الحكم الواقف من الجميع على مسافة واحدة لمصلحة الوطن. ولكن هل يمكننا تحقيق هذه الآمال الكبار وهذا الحلم الشعبي الذي تطمح إليه القيادة السياسية؟ وهل من السهل إزالة ما ترسخ بأذهان أبناء الوطن الغالي من أفكار قبلية قاتلة للوحدة الوطنية وأوهام طائفية بغيضة مشتتة لوحدة الكلمة؟ وهل نستطيع مسح مفاهيم بالية تأصلت في عقولنا عقوداً من الزمن بسبب صمت حكومي مميت تجاه ما يدور خلف كواليس المرشحين ووراء الأبواب المغلقة للجان البرلمانية من تدخلات «رسمية»؟ وهل يمكننا أن نقضي على تقاليد سياسية بالية بعد تكدس قبائل وطوائف وفئوية في مناطق بعينها أمام أنظار حكومات صامتة لم تفَعِّل قانوناً واحداً لحماية الوحدة الوطنية، وإذا كان هناك من تفعيل لقانون ضد «تسونامي» القبلية والطائفية، فقد كان تحركاً على مضض، وأحياناً كثيرة بعد فوات الأوان؟ لقد تعهد سمو ولي العهد تعهدات تاريخية غير مسبوقة، وهي عدم دعم فئة على حساب أخرى، والوقوف من الجميع على مسافة واحدة، لبدء مرحلة جديدة لصالح الوطن والمواطنين، لهذا نتساءل: كيف يستطيع الشعب خلال بضعة أشهر تسبق الانتخابات البرلمانية أن ينبذ القبلية والطائفية والفئوية والحزبية وما إلى هنالك من كنتونات التقوقع، لإصلاح ما أفسدته عقود أربعة مضت، ساهمت الحكومات المتعاقبة خلالها في تأصيل هذا الفساد السياسي؟ وإذا كنا جميعاً نعرف أن هناك ما يسمى بصناديق المال السياسي تظهر وتختفي كالفقاقيع خلال فترة الانتخابات لتدعم مرشحاً ضد آخر، وهي التي رسخت القبلية والطائفية والفئوية في نفوس الكويتيين، فما الذي يضمن ألا تظهر مثل هذه الصناديق بصورة أخرى بدعم من متنفذين أو من جماعات ضغط أو من أصحاب المصالح الخاصة، لتعيدنا جميعاً إلى المربع الأول وكأننا لا طبنا ولا غدا الشر؟
كلنا يعرف حق المعرفة أن لدى القيادة السياسية الرغبة الصادقة في أن يقول الشعب كلمة الفصل لتصحيح المسار السياسي، من خلال اختيار برلماني صحيح، ليعكس تطلعاته وآماله، إلا إننا نؤكد أن لدى الشعب الكويتي أيضاً الرغبة الأكيدة في أن تقوم الحكومة، وعلى عكس مواقف الحكومات الكويتية المتعاقبة السابقة، بتفعيل وتنفيذ قوانين الوحدة الوطنية وخصوصاً تلك المتعلقة بالفرعيات على أرض الواقع، وإلا فلن تقوم لهيبة القانون قائمة ولا لمبدأ «الوطن للجميع» احترام. نقول هذا لأن الحكومة تعرف جيداً أن بوادر التخطيط للفرعيات والتحايل على الدستور بدأت بأساليب جديدة بعيداً عن أعين الحكومة منذ أكثر من أسبوعين من تاريخ نشر هذه المقالة، فهل نرى حكومة بثوب جديد يبعث الأمل في نفوس الكويتيين وكأننا مقبلون على عرس ديموقراطي حقيقي وأمام أعين العالم ليجمع الكويتيين مرة أخرى على كلمة سواء، من خلال تطبيق كل القوانين التي تحمي الدستور ولا تفرغه من محتواه؟ نرجو ذلك.