متى تزف عروس الخليج؟
التعويل المطلق والكلي على نتائج العملية الانتخابية والاعتماد على وعي المواطنين، بل ووعي المعارضة بكل أطيافها، أمرٌ ربما يكون من المشكوك فيه وبنجاعته في إحداث التغيير الإيجابي والإصلاحي لسببين: أولاً ما زال أمام قوى الفساد إمكانية إدخال عناصر فاسدة للبرلمان عبر الرِّشا والوعود بالمنافع والخدمات والمناصب، ولا أقول عبر الخدمات المباشرة، لأن هناك توجهاً حكومياً جاداً لسد هذا الباب، لذلك فعامل الرشوة هو الأقوى والوعود الخداعة، إلا إذا قامت الحكومة بسد هذا الباب عبر الرصد والمراقبة وإنزال العقوبات الرادعة بالراشي والمرتشي والوسطاء بينهما.والسبب الثاني يكمن في استغلال العلاقات التي تفرضها الولاءات القبلية والدينية والعائلية والمناطقية إلا إذا تم تفكيك هذه الولاءات عبر ضخ مفاهيم وأفكار مدعومة بوقائع وأفعال تبرز جدية الحكومة في الإصلاح والتطوير واقتلاع الفساد وتحقيق كل متطلبات ذلك من مشاريع وتغييرات جذرية في الجوانب القانونية والاقتصادية والاجتماعية وتعديلات لا يعود معها شك لدى الشعب في نوايا وجهود الحكومة، وأخيرا يقين ليس معه ذرة شك لدى كل مرشح بأنه لن يحصل من عضويته في مجلس الأمة على غير راتبه البالغ 2300 دينار.نعم في هذه الأيام تملك الحكومة عبر جهودها ومفاعيلها المحسوسة أن تغرس في يقين المواطنين أن عهداً للإصلاح والتطوير والتغيير الجذري قد بدأ، وبدأ بحرث وقلب الأرض وإعادة تهيئتها للعهد القادم بعد إبادة الهوام والقوارض التي خلفت الخراب وتعفن الحياة والمؤسسات المجتمعية.
لابد أن يحكم الناخبين مبدأ واحد هو «نريد الأكفأ لتمثيلنا»، فمثلما نتجه للطبيب الكُفء للعلاج ولا ننظر لانتماءاته ومدى علاقته وقرابته بنا لأننا بهذا سندمر أنفسنا، فكذلك عضو مجلس الأمة. طبعا كل هذا في ظل قناعة راسخة بأن باب الواسطات وتقديم الخدمات كرشوة قد أغلق بعشرة أقفال. وهناك أمر آخر أهم، وهو تقديم الحكومة لبرنامج العمل فور تشكيلها كما نص الدستور، ويكون مفصلاً ومحكوماً بمعيار كمي وزمني، لا أُمنيات واستهدافات مكرورة لا تحكمها ضوابط، وقد فصلنا فيها الحديث عنها مقالات سابقة، وكما قلنا وجود البرنامج سيجعل المجلس يرجع في نشاطه إلى الوضع الطبيعي في التشريع ومراقبة السلطة التفيذية في إطار الإنجاز الفعلي للبرنامج، كما سينكمش اهتمام الناس بالسياسة ككل وينخرط الناس في اهتمامهم بالتطوير وطرح المشاريع والأفكار في ضوء إيقاع التنفيذ الذي ستشحذ معه همم وعقول ذوي الخبرات والعبقرية في حركة تستمد من الواقع المتحرك المتصاعد وتضيف إليه لتزيده صعوداً ورقياً.أخيراً أنصح الحكومة القادمة أن تطلق مشاريعها ومضامين برنامجها بعد إشراك كل الفاعلين وذوي الخبرة من الداخل والخارج لأن العملية الانتخابية واختيارات الناخبين ستترسَّم وجهتها ونتائجها في ضوء ذلك، فالاعتماد والمعوَّل على الله، ثم على هذا الجهد الحكومي.إنه الجهد السياسي والفني الدقيق الذي يفصل فستان الفرح الموشى بلؤلؤ الماضي و«مقمَّشاته» والمنمنم بمطرزات الحاضر وجمالياته لعروس طال انتظار الأرواح الوامقة والعيون الملهوفة لرؤيتها ومعانقة تجليات جمالها، إنها عروس الخليج الكويت.