تحوّل موضوع رفض أو تأييد إلزامية الزي الإسلامي في إيران الى «حرب مدنية» بين مؤيدي السلطة ومعارضيها، خصوصاً بعد دخول الحرس الثوري على خط الأزمة التي بدأت منذ نحو شهر.

وقد اصطف عدد كبير من الإصلاحيين خلف المعارضين للحملة المتشددة التي أطلقها الرئيس الأصولي إبراهيم رئيسي لتطبيق هذا الأمر بالقوة، بينما واكبت المعارضة الإيرانية في الخارج الصراع بتبنيها حملة مستمرة بوتيرة متفاوتة منذ سنوات لخلع الحجاب في الشوارع، لكنها عادت واكتسبت زخماً في الأسابيع الأخيرة.

Ad

وعلى عكس جميع الحكومات منذ وفاة مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني، التي تجنبت الدخول في هذا السجال، قررت الحكومة الحالية برئاسة رئيسي اتخاذ قرارات داعمة لموقف المتطرفين الأصوليين، وأمّنت غطاء سياسياً للعديد من محافظي المحافظات الأصوليين بإصدار قوانين تجبر العاملين في الدوائر الحكومية على الالتزام بما يسمى الزي الإسلامي ومنع مؤسسات عامة وخاصة تقديم الخدمات للذين لا يلتزمون به وإقفال عدد كبير من المحال والمطاعم والمقاهي غير الملتزمة.

ولا يفرض الدستور الإيراني على الناس التقيد بما يُعرف بـ «الزي الإسلامي»، لكن في عام 1995، بعد 16 عاماً من الثورة الإسلامية، أقر مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) قانوناً يطلب من المواطنين التقيد بهذا الزي. وواجه القانون عدة انتقادات؛ سواء من الأصوليين المحافظين أو الإصلاحيين والوسطيين.

وقال حقوقيون إنه يدعو الناس ولا يفرض عليهم التقيد بأي زي، فضلاً عن أنه لم يحدد أي معايير بخصوص ماهية الزي الإسلامي.

وبعد سريان القانون شهدت إيران «فورة» في ارتداء الجينز من قبل الشباب، وتحولت البلاد حسب الإحصاءات الرسمية الى أحد أكثر مستوردي مساحيق التجميل في الشرق الأوسط، الأمر الذي أثار غضب المتشددين، الذين كانوا بين مدة وأخرى يحاولون فرض الزي الٍاسلامي بالقوة في الشوارع، لكن بما أنهم لم يحظوا بغطاء حكومي فإن مبادراتهم هذه بقيت محدودة، وكانت تتراجع حدتها تدريجياً.

لكن هذه المرة مختلفة، فقد دعمت الحكومة مواقف الأصوليين المتشددين، وكذلك المرشد الأعلى علي خامنئي، وقال رئيس السلطة القضائية إن الذين يعارضون فرض القوانين الشرعية بالقوة «جواسيس ومندسون من الخارج». وبدأت السلطات حملة اعتقالات شملت شخصيات معروفة من مخرجين سينمائيين وممثلين ورياضيين وإعلاميين وسياسيين معارضين لإلزامية التقيد بالقوانين الشرعية.

وأشهر الذين تم اعتقالهم الأسبوع الماضي المخرج العالمي جعفر بناهي وقائد فريق «استقلال» لكرة القدم وريا غفوري الذي طرد من هذا الفريق ونائب وزير الداخلية الإيرانية السابق مصطفى تاجزاده، كما رفعت دعاوى قضائية على العديد من الشخصيات الكبيرة، مثل فائزة هاشمي رفسنجاني (ابنة الرئيس الإيراني الأسبق اكبر هاشمي رفسنجاني) وفخر السادات محتشمي بور (ابنة علي أكبر محتشمي بور، الذي يعتبر الأب الروحي ومؤسس حزب الله اللبناني ووزير الداخلية الإيراني السابق).

وفي تطور لافت، أعلن المتحدث باسم هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، أبو الفضل شكارشي، الثلاثاء الماضي، أن كل مَن يعارض فرض القوانين الشرعية بالقوة يعتبر أنه «يحارب الله»، والقوات المسلحة سوف تتصرف معه على هذا الأساس، علماً بأن القوات المسلحة الايرانية كانت دوماً تتجنب الدخول في هذا السجال، وتعتبر أن وظيفتها حماية البلاد لا مواجهة الشعب.

وشهدت مدن إيرانية مختلفة صدامات في الأيام الماضية بين مؤيد ومعارض للحجاب الإجباري، وجرى اعتقال مئات من النساء اللاتي خلعن حجابهن في الشوارع العامة.

وفي تحرّك لافت، قامت وزارة الاتصالات الايرانية بتحويل جميع أنظمة البحث على الهواتف النقالة والإنترنت في ايران الى أنظمة بحث للأطفال التي تحد من إمكانات البحث في الإنترنت، وأصبح على البالغين الذين يريدون رفع الحظر بعث رسالة ومستندات الى وزارة الاتصالات للسماح لهم بتصفّح الإنترنت من دن قيود الأطفال.

ولدعم هذا الإجراء، نظّم رئيس العلاقات العامة لوزارة الاتصالات مهدي سالم إحصاء على «تويتر» للتصويت بنعم أو لا على تقييد بحث الأطفال على الإنترنت، وكانت المفاجأة أن أكثر من 80 بالمئة من المصوتين الإيرانيين من داخل البلاد أجابوا بـ «كلا»، الأمر الذي اعتبر نوعا من إحصاء على نسبة المؤيدين أو المعارضين لفرض القوانين الشرعية بالقوة.

طهران - فرزاد قاسمي