لنتمهل قبل الحكم
لنتمهل قليلاً وندعو لبعض من الإنصاف في الحكم وتحكيم العقل في مسائل مؤلمة ومحزنة تخرق القانون وتهز ضمير العدالة، مقتل المواطن وليد الصليلي بعد القبض عليه (أو بعد التحقيق لا أحد يقطع) واحتمال توجيه تهم جزائية لأجهزة الداخلية التي تسببت في الوفاة، كما نقلت بعض الأنباء، جريمة بشعة وتذكرنا بقضية قتل المواطن الميموني قبل عدة سنوات، والتي كانت بظروف مشابهة وربما مختلفة، ويفترض أن تجري وزارة الداخلية تحقيقها الخاص فيما لو كان هناك تجاوز للسلطة وإساءة استعمالها من قبل المشرفين على التحقيق مع المجني عليه، كما أن واجب النيابة العامة أن تقوم بتحقيقاتها الجزائية كما يشترطها القانون. لكن وألف «لكن» هل يصح أن تصبح مثل تلك الجريمة موضوعاً لتصفية حسابات سياسية ضد وزير الداخلية أو أن تكون سبباً للشماتة والتعيير ضد فئة النواب المعارضين لرئيس مجلس الأمة ولرئيس الوزراء في الحكومة المستقيلة، والأخيرة وأقصد مسألة نقد مواقف هؤلاء النواب من الجريمة واتهامهم بالتخاذل مسألة ليست ذات شأن، فليسوا هم من سيقفون غداً ليكونوا قضاة يحاكمون المتهمين ويصدرون الأحكام كي يهدأ ضمير العدالة، هم جماعة سياسة لها مواقفها قد نختلف وقد نتفق معها في الكثير من طرحهم، إلا أن «تسييس» قضية جزائية وتحوير موضوع جريمة قتل أو ضرب أفضى للموت أو غير ذلك من التكييفات الجنائية إلى لعبة تعيسة وفرصة لا تعوض للثأر السياسي فهذا ما يجب النأي عنه، فهناك إنسان قتل، وهناك أصول إجرائية يجب أن تتبع (أو يفترض اتباعها) كي يستقيم حكم العدالة.
تهم التعذيب للمتهمين من بعض المسؤولين في وزارة الداخلية ليست مسألة جديدة على تاريخ الكويت، ولا على الكثير من الدول التي هي في مصافنا، والتي لم تهضم مجتمعاتها ولا أنظمتها معنى دولة حكم القانون والإجراء الواجب، بل حتى في الدول المتقدمة تحدث مثل تلك الأمور وإنما يكون هذا على سبيل الاستثناء، وليست قاعدة، فهناك وعي قانوني راسخ يضرب على يد المتجاوزين فيما لو انحرف رجل الأمن عن سلطاته المرسومة بالقانون.ما ننشده ونأمله هو تعديل هذا الانحراف، والاقتراب أكثر نحو دولة الإجراءات الواجب اتباعها، وإذا ما تقاعست السلطة عن هذا الواجب تبرز عندها المسؤولية السياسية لوزير الداخلية، أما الآن فلا يمكن القبول بهذا الخلط بين السياسي والقانوني، ولا يصح انتهاز الفرص لمحاسبة مسؤول سياسي قبل تمكينه من فرصة استجلاء حقيقة الأمور، فلنتمهل... وهذا أقرب للحق.