مأزق حتمي بين روسيا والغرب بعد الحرب
النتيجة السلبية لحرب بوتين من المتوقع أن تتركز في أوروبا، إذ لا تملك روسيا القدرات العسكرية اللازمة للسيطرة على أوكرانيا، وتبقى قدراتها العسكرية أصغر من أن تُهدد أحد أعضاء «الناتو».
من المتوقع أن تستمر الحرب في أوكرانيا سنوات وتنتهي بهزيمة معينة لروسيا، فقد سبّبت هذه الحرب معاناة هائلة، لكنها أثبتت في المقام الأول أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ارتكب خطأ استراتيجياً جسيماً حين قرر إطلاق الغزو، وأن النظام السياسي الروسي لا يتمتع بالمرونة الكافية لتغيير مسار الأحداث. لا ينذر هذا الوضع بسقوط بوتين أو نشوء نظام ديموقراطي في روسيا، لكن لا مفر من أن تتحمل موسكو تكاليف هائلة على المدى الطويل لأنها قررت إطلاق هذه الحرب الكارثية، مع أنها لا تتمتع بجميع مواصفات القوى العظمى ولا تُعتبر قوة اقتصادية هائلة، ومن المتوقع أن يجد البلد صعوبة كبرى في التعامل مع هذه التكاليف.بعد حقبة الحرب، ستترافق هزيمة روسيا شبه الحتمية على الأرجح مع نتيجة إيجابية وأخرى سلبية بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
تحمل النتيجة الإيجابية طابعاً عالمياً، فقبيل الحرب التي أطلقتها روسيا في فبراير 2022، كانت الولايات المتحدة تجد صعوبة في تحديد دورها، فهي لم تعد القوة الطاغية الوحيدة، وقد انشغلت بالتعافي من المرحلة الانتقالية المشحونة بين عهدَي دونالد ترامب وجو بايدن، ثم تعثرت في طريقة انسحابها من أفغانستان في صيف عام 2021.لكن من خلال الرد على الغزو الروسي لأوكرانيا، أثبتت إدارة بايدن قدرتها على إطلاق جهود دبلوماسية فاعلة، قد لا ترقى هذه الجهود إلى مستوى حملة بناء المؤسسات التي أطلقها الرئيس هاري ترومان في أواخر الأربعينيات، لكن الخطة الغربية تبقى استثنائية لأنها نجحت في التنسيق بين الدول داخل أوروبا وخارجها، وفرضت عقوبات هائلة ضد روسيا، وأرسلت مساعدات عسكرية سريعة إلى أوكرانيا، وتحصل هذه المساعي كلها بقيادة الولايات المتحدة.أما النتيجة السلبية لحرب بوتين المريعة، فمن المتوقع أن تتركز في أوروبا، إذ لا تملك روسيا القدرات العسكرية اللازمة للسيطرة على أوكرانيا، وتبقى قدراتها العسكرية أصغر من أن تُهدد أحد أعضاء الناتو، بما في ذلك فنلندا والسويد في حال انضمامهما إلى الحلف خلال هذا الصيف، حتى أن روسيا تجازف بخسارة الحرب في أوكرانيا، لكنها ستبقى جهة مؤثرة في الشؤون الأوروبية. بغض النظر عما يحصل ميدانياً في أوكرانيا، ظهر خط مبهم جديد في أنحاء أوروبا، تقف روسيا وبيلاروسيا على أحد جانبَي هذا الخط، والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو على جانبه الآخر، وسيكون خط الاحتكاك هذا طويلاً ومتبدلاً وخطيراً خلال العقود المقبلة، ولن تتمكن روسيا من تجاوزه عبر استمالة أوروبا أو إجبارها على الانضمام إلى محورها.في المقابل، لن تنجح أوروبا أو التحالف العابر للأطلسي أو الغرب في إخضاع روسيا أو محو نفوذها، وستحاول روسيا استعمال أي مصدر للفوضى في أوروبا لمصلحتها، وستتكرر هذه المقاربة مع كل استحقاق انتخابي جديد، أو مع سقوط كل حكومة، أو عندما يتصادم بلدان أوروبيان أو أكثر. كذلك، من المتوقع أن يتّضح تأثير روسيا السلبي عبر الهجمات السيبرانية أو حتى الاعتداءات العسكرية العابرة، لأن روسيا لن تخسر الكثير اليوم إذا حاولت استفزاز الغرب أو زعزعة توازنه، وقد يظهر التأثير الروسي السلبي أيضاً عبر التهديدات النووية، لكن بعضها لن يلقى آذاناً صاغية، مع أن بعضها الآخر قد يترافق مع أهداف قوية لزيادة مصداقيتها قدر الإمكان.تبقى الظروف الراهنة مأساوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وستكون كذلك لأوروبا أيضاً، ولن تصبح أوروبا كياناً متكاملاً وحرّاً وسلمياً، بل إنها ستبقى ساحة معركة بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا، ولن تكتفي الولايات المتحدة بمراقبة هذه الساحة عن بُعد، بل إنها ستقف على طرف واحد من الصراع، مع عدد كبير من حلفائها، لمجابهة أقدم خصم لها.* مايكل كيماج