لا تزال أزمة الجدارية التي جرى تصميمها داخل محطة مترو أنفاق «كلية البنات» في القاهرة، تواصل أصداءها، إذ قررت الجهات المعنية في مصر إزالة التصميم؛ بعدما اتضح أنه «مسروق» من أعمال الفنان التشكيلي الروسي جورجي كوراسوف، فيما أبرزت الأزمة مشكلة أخرى هي عدم الاعتماد في مثل هذه الأعمال الإبداعية على فنانين تشكيليين حقيقيين وإسناد الأمر لغير المختصين.

Ad

تشهد الأوساط الفنية في القاهرة حالة من الجدل منذ نحو أسبوع، بسبب صور نشرتها مصممة الغرافيك غادة والي على صفحتها الشخصية بموقع «فيسبوك» توضح تصميماً نفذته ليكون جدارية كبيرة داخل محطة «كلية البنات» في مسار الخط الثالث لمترو الأنفاق، وهي الصور التي نشرتها احتفالاً بقرب افتتاح المحطة.

ورغم حصولها على تعليقات تشيد بالتصميم البصري، الذي نفذته بتكليف من الشركة المشغلة للخط الثالث للمترو، فإن بعض الفنانين التشكيليين انزعجوا وأصابهم الاستياء بعدما اكتشفوا أن العمل مستوحى من أربع لوحات للفنان الروسي جورجي كوراسوف، مع إجرائها تعديلات بسيطة عليه من خلال برامج التصميم الحاسوبية، لكنه بقي واضحاً للمتخصصين أنه عمل - كما وصفوه - «مسروق» وليس أصيلًا!

ملحمة هوميروس

وكوراسوف، فنان معاصر من مواليد عام 1958، تتسم أعماله بألوانها الصريحة، ومعالجاتها الهندسية الحادة. وتواصل معه مواطنون مصريون عبر البريد الإلكتروني، فاتضح بالفعل أن العمل الفني مسروق من أعماله، وفي حين قصدت المصممة المصرية أن يكون التصميم معبراً عن الحضارة الفرعونية، كانت المفاجأة الثانية التي كشفها كوراسوف أن العمل الأصلي الذي نقلت عنه الفنانة المصرية لم يكن مستلهماً من الفن المصري القديم، بل من ملحمة هوميروس الإغريقية!

مجرد مُلصق!

من جانبها، أصدرت الهيئة القومية المصرية للأنفاق والشركة الفرنسية المشغلة للخط الثالث لمترو الأنفاق، بياناً مشتركاً، قدمتا فيه اعتذاراً للفنان الروسي وللجمهور، قبل أن تقوم الشركة بإزالة العمل قبل أيام، الذي اتضح أنه لم يكن جدارية فسيفساء بل مجرد ملصق، مما يعكس حالة من الاستسهال وغياب الحس الفني.

ودخلت نقابة التشكيليين المصريين على خط الأزمة، إذ أصدرت النقيبة الفنانة صفية القباني، بياناً قالت فيه، إن المصممة غادة والي «ليست عضوة في النقابة، ولا أعرفها».

وأضافت: «ما حدث من استنساخ لأعمال فنان روسي دون تصريح منه، يعتبر تعدياً عليه وعلى حقوق الملكية الفكرية، ولا يجوز أن يستخدم أحد أعمال غيره إلا بعد أخذ إذنه وكتابه اسمه مشاركاً في العمل»، مؤكدة أن «غادة والي ليست فنانة جداريات، وأن مصر لديها العديد من كبار الفنانين من أصحاب المدارس في التصوير الجداري».

تهميش الفنانين

وحملت تصريحات فنانين آخرين تلميحاً إلى أن هناك تهميشا لدور الفنانين المتميزين، في مقابل الاستعانة بآخرين أقل خبرة أو في مجال بعيد عن الفن التشكيلي، واعتبر نقيب التشكيليين السابق، حمدي أبوالمعاطي، أن ما حدث «يعتبر سرقة واضحة لأنه في حالة استخدام أسلوب الاقتباس كان لا بدَّ من التواصل مع الفنان الروسي والحصول على موافقته حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية».

وأضاف أبوالمعاطي: «هناك العديد من الفنانين المصريين العظام نفذوا أعمالاً فنية في أماكن عامة، ومحطات مترو أيضاً وكانت أعمالهم غاية في الروعة».

مدوِّنون على «فيسبوك» أكدوا أنها لم تكن عملية السطو الأولى التي تقوم بها المصممة غادة والي، فقد سبق أن نسبت إلى نفسها تصميم شعار حفل إعادة افتتاح طريق الكباش الأثري في مدينة الأقصر (أقصى جنوب مصر)، في حين يرجع التصميم إلى 6 فتيات أخريات من خريجات كلية الفنون الجميلة!

غياب المسابقات

أما الفنان التشكيلي عز الدين نجيب، فقال إن المصممة المصرية غادة والي ملأت لوحاتها بالتفاصيل المنقولة حرفياً من الأصل الروسي ثم قطّعت أوصال العلاقات بين العناصر، وملأت أجزاء من المساحات بالزحام وتركت أخرى فارغة، أو عالجت الفراغ بوضع أعمدة هندسية غليظة وجافة وليست من نسيج الخطوط العضوية اللينة، واستخدمت ألواناً باردة لا حياة فيها ولا تجانس فيما بينها، وصبغت الأجسام والوجوه البشرية بلون قاتم جعلها تبدو أقرب إلى الشخصيات الزنجية، ما دعا تياراً من المعارضين لعملها إلى اتهامها بمحاولة إثبات «زنوجة» الحضارة الفرعونية وتأكيد أنها ليست مصرية أصلاً بل إفريقية بحتة.

وتابع أنه: «في حقبة الستينيات كانت الحكومة المصرية تنظم مسابقات يشارك فيها فنانون معروفون ويتم الاختيار من أعمالهم الفنية لتزيين الجداريات، لكنها لم تعد موجودة راهناً».

يُذكر أن غادة والي (32 عاماً)، تخرجت في الجامعة الألمانية، وكُرمت في منتدى شباب العالم بمصر، بعد اختيارها من مجلة «فوربس» الأميركية عام 2017 واحدة من أكثر الشخصيات المؤثرة في العالم تحت سن الثلاثين، كما حصلت على جوائز عالمية في مجال تصميم الغرافيك.

● أحمد الجمَّال