في العلاقات بين الدول، عادة ما تكون الأقوال أكثر وقعاً من الأفعال، والعكس صحيح، وما يحدد ذلك هو درجة الثقة والاطمئنان بين الأطراف. وعندما تكون تلك العلاقات استراتيجية ومع دولة عظمى وحيدة، في مرحلة تحولات دولية، تصبح الشروخ فيها مترددة وملتبسة ومخيفة.هذه هي حال العلاقة الخليجية - الأميركية بشكل عام، ومع السعودية بوجه خاص.
العلاقات عميقة واستراتيجية، وهناك مصالح متبادلة، ومن الصعب استبدالها بدول أخرى إلا على مستوى تكتيكي، وما هذا المخاض الذي نراه إلا محاولات لإعادة الأمور إلى نصابها السابق.تأتي زيارة الرئيس الأميركي بايدن في إطار انقسام أميركي داخلي حاد، ليس فقط بين الحزبين الكبيرين وداخل كل حزب. واجتماعياً، تجلّى في ازدياد العنف، وخطاب الكراهية، ومسألة السلاح، وأخيراً قضية الإجهاض، وضغوط الانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل، وتراجع كبير في شعبية بايدن، وارتفاع في التضخم وأسعار الوقود، ورغبته في تحقيق انفراجات تنعكس على الانتخابات القادمة.أميركياً، بدأت التساؤلات تُطرح عن العلاقة السعودية - الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، إلا أنها استمرت تحت نار هادئة دون أن تهدأ. وزادت وتيرتها اشتعالاً بعد أن أوقف الرئيس أوباما عملية عسكرية متفقاً عليها لضرب النظام السوري بآخر لحظة في ربيع 2013، وقد أدى ذلك الفعل الأميركي إلى غضب الملك عبدالله، وهو ما عبّر عنه بانسحاب السعودية من عضوية مجلس الأمن. وعندما بدأت حرب اليمن عام 2015، وحاولت السعودية والإمارات إثبات قدرتيهما على المبادرة، سارت الأمور باتجاه آخر، وانعكست المسألة في تعقيد العلاقة.التصريحات الأميركية عن اكتفائها النفطي وعدم حاجتها إلى نفط الخليج، وتصريحات ترامب الاستفزازية بعدم حاجته للوجود في المنطقة، وتصاعد أعمال العنف المنظم، والاتفاق النووي مع إيران، ثم الانسحاب منه، كلها أسهمت في زيادة القلق عند دول الخليج في إقليم غير مستقر. وزاد الطين بلّة تعرُّض المنشآت النفطية في بقيق السعودية، دون موقف أميركي مساند، وتكرر الموضوع مع الإمارات.لذا، كانت الزيارة الأميركية محاولة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال لقاء مباشر، وكل ما دار كان في النهاية يعود إلى طمأنة دول الخليج بالتزام أميركا بأمنها، أما مسألة حقوق الإنسان، فلن يتوقف الجسم الأميركي في الحديث عنها، فـ «الخارجية» الأميركية تصدر على الأقل 4 تقارير سنوية عن جوانب مختلفة في حقوق الإنسان، وصورة الخليج عموماً في تلك التقارير، سلبية.زيارة بايدن لإسرائيل لم تكن سياسية، بل عاطفية، بذل فيها كل ما بوسعه لبثّ لواعج عشقه لمعشوقته الصهيونية، وربما كانت زيارة فقط لإثبات إمكانية الطيران من هناك إلى جدة.أما بالنسبة إلى الخليج فلن يكون الفشل أو النجاح معيارين قابلين للقياس، ولكن في درجة قبول الطرفين، استعادة نمط العلاقات الاستراتيجية السابقة، وهي في ضوء ما قيل ممكنة، ولكنها أكثر تعقيداً من السابق.
أخر كلام
هل نجحت زيارة بايدن؟
18-07-2022