متميّز هو القائم بأعمال سفارة لبنان في الكويت، الأستاذ باسل عويدات؛ لبناني الولاء، عروبي الوفاء، وإنساني الانتماء... يعمل بكل طاقته ويبذل أقصى جهده من أجل تعزيز العلاقة الكويتية- اللبنانية التي تبقى - رغم أي ظرف عابر- عصيّة على كل انكفاء أو انحلال. وشهادة للتاريخ، فإن جهود السفارة اللبنانية والقائمين عليها لم تلق في أي فترة أو زمن إلا كل التعاون الإيجابي من جميع الكويتيين واللبنانيين المقيمين على هذه الأرض الطيبة.ولعلّ من آخر تجليات هذه العلاقة المميزة، حرص الدبلوماسي المميز على الحضور مرات عديدة إلى مكتبه خلال إجازة العيد لإصدار تأشيرات سياحية للأجانب المرافقين للكويتيين الذين قرروا قضاء الإجازة وتمضية الصيف في لبنان.
إلى هنا، المشهد طبيعي، وإن كان مبهجاً ومشرفاً، فذلك دأب العلاقة التاريخية بين البلدين، وذلك حال الارتباط الوجداني بين الشعبين الشقيقين، فلم تتخلّ الكويت يوماً عن لبنان، كما لم يتنكّر الشعب اللبناني لحظة لمن ناصره ودعمه في أشد مراحل حياته صعوبة وخطورة. ولكن صيف لبنان الواعد هل سيبقى على حاله بعد آخر خطاب لأمين عام حزب الله الذي فهم منه قرب اندلاع الحرب بين لبنان والكيان الصهيوني؟ لا شك أن هذا الخطاب القوي في مضمونه، الحسّاس في توقيته، اللبناني في غاياته والإقليمي في ارتباطاته وتداعياته، لن يمرّ مرور الكرام على الصعيدين الشرق أوسطي والدولي. فهو في ظاهر الأمر إعلان للحرب في لحظة يمرّ فيها لبنان بأضعف مراحل جاهزيته الاقتصادية والاجتماعية، وهو «نترة من نترات» شدّ الحبال في الملف النووي الإيراني، إلا أنه بلا شك فصل مهمّ وحسّاس من فصول السباق المحتدم على النفط والغاز في المنطقة والعالم.المراقب للأحداث، والمتتبع لمضمون الخطاب ولما بين سطوره، يدرك أن الأمين العام لحزب الله قد أنهى الحرب قبل أن تبدأ، ذلك لأنه – ورغم السقف العالي الذي وصل إليه بالتهديد والوعيد - أعرب بوضوح عن عدم رغبته في إطلاق شرارة النزاع، وذلك طبقاً لمنطق بسيط قوامه أن من يريد الحرب ومن يحرص على الانتصار فيها لا يعلن عنها ولا عن نواياه بشأنها. لا يتطلب الخطاب كثيراً من التحليل، فهو واضح بما فيه الكفاية في صيغته ودلالاته وتوقيته. أراد حزب الله وأمينه العام من خلال هذا الخطاب إيصال عدة رسائل مباشرة ومتعددة الاتجاهات لبنانياً، إقليمياً ودولياً. ذلك رغم أن الحزب لا يحتاج، وغير مضطر برأينا، لمثل هذه المواقف والخطابات كي يكشف عن إرادته أو يثبت قدرته على التحكم في كثير من خيوط اللعبة داخلياً وخارجياً.الحرب إذاً - ولو تم التهديد الجدّي بإشعالها - ليست الهدف من هذا الخطاب، بل إنها في أغلب الظن ستكون آخر الخيارات المحتملة والمستبعدة، ذلك لأن التوقيت لا يسمح بها في ظل الترنح الغربي على وقع الحرب الروسية- الأوكرانية، وعلى أعتاب الحاجة القصوى للغاز في شتاء القارة العجوز. أما إذا سمح للأمور، في لحظة تهّور أو لامبالاة، أن تذهب بعكس المتوقع والمرتجى، فإنها بلا شك ستبدأ حرباً حدودية لتتوسع سريعاً إلى حرب إقليمية وربما عالمية.الجانب اللبناني، يدرك أن حرب يوليو 2006 أعادت لبنان عمرانياً واقتصادياً وعلى صعيد اللحمة الوطنية عقوداً إلى الوراء، بصرف النظر عن المنتصر فيها تكتيكياً أو معنوياً، وعليه فإنه لا يحلو لحزب الله أن يتحمل مسؤولية فاتورة أخرى قد تكون أكبر وأقسى. وبالمقابل يدرك الجانب الصهيوني أن قواعد اللعبة لم تعد، كما كانت من قبل، في صالحه تماماً. فحروبه لم تعد نزهة، وروح أجياله القتالية أضعف بكثير من إرادة وشراسة المحتلين والمستوطنين الأوائل، كما أن خططه التنموية، واستقراره الضروري لازدهاره، وطموحاته بدخول نادي الدول الكبرى المصدرة للغاز والنفط تحول بينه وبين تحقيقها حرب قد يستدرجه حزب الله فيها إلى أفخاخ مؤلمة ومفاجئة.الصوت المرتفع الذي انبعث من خطاب «نصر الله» أراد صاحبه أن يتردد صداه في أروقة القمة الأميركية-الخليجية، بنفس الحجم والقوة التي أراد أن يسمع الإسرائيليون من خلالهما تهديداته الجدّية، دون أن نتجاهل الرسائل الداخلية الهامشية التي تلقفها مناصرو حزب الله كما خصومه دون أن يغير الأمر في قناعاتهم شيئاً سوى تأكيد المؤكد وفقاً لمستوى واتجاه العلاقة التي تربط كل منهم بالحزب وتأثيره بملفات الرئاسة والحكومة وكل الملفات الداخلية.اللافت في الأمر، التجاهل غير المعتاد للحكومة وللإعلام الإسرائيليين لخطاب «نصر الله»، وما ذلك إلا دلالة على تكتيك الهروب إلى الأمام بانتظار ما سيرشح عن القمة الأميركية- الخليجية من نتائج يأمل الجانبان الإسرائيلي والأميركي أن تكون لصالحهما في ملفات التطبيع، الطاقة، والملف النووي الإيراني، رغم أن المتوقع ألا يكون موغلاً في الإيجابية وفقاً لكثير من المعطيات التي تبدأ بحساسية وتداعيات الحرب في القارة العجوز، ولا تنتهي بترنح موقف الولايات المتحدة الأميركية على وقع خطى رئيسها العجوز، مروراً بالطموحات والمواقف المعلنة للقادة الخليجيين.لا شك أن مدة الأشهر القليلة التي حددها الأمين العام لحزب الله لتنفيذ تهديده بإشعال منابع البترول والغاز الإسرائيلية من حقل «كاريش»، إلى «ما بعد... بعد كاريش»، وصولاً إلى الحقول الأخرى في فلسطين المحتلة وإمدادات النفط، هي فترة دقيقة ومرهقة عنوانها عض الأصابع وحبس الأنفاس. ولكن منطق الأمور يقول إن المبعوث الأميركي الخاص» آموس هوكشتاين» الموكل بمفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان الصهيوني، سيسارع، بحلول مبتكرة وقد تكون جاهزة، إلى تمديد فترات التهدئة بين بيروت وتل أبيب، بحيث يسمح للبنان رسمياً باستغلال حقول الغاز التي يملكها باعتراف دولي، في حين ستسعى إسرائيل ومعها حلفاؤها إلى عرقلة وتعطيل الطموحات النفطية اللبنانية بوسائل قد لا نتخيلها وقد ينجح فيها العدو بأدوات ووسائل مباشرة أو بأدوات غير مباشرة من خلال ما تشهده الساحة السياسية اللبنانية من مناكفات وهدر وفشل وسرقات وموبقات لا ولم ولن تصب يوماً في مصلحة الشعب اللبناني ومستقبل أجياله.الصيف في لبنان سيكون بإذن الله هادئاً كما بحره، بارداً كما ثلوج قممه، صافياً كما صباح فيروز. وعسى أن يكون مستقبله -القريب والبعيد- على قدر ثقة محبيه به وعلى مستوى طموحات أبنائه المخلصين الوطنيين، أمثال القائم بأعمال سفارة لبنان في الكويت ومن هم مثله، وهم كثر بفضل الله.* كاتب ومستشار قانوني
مقالات
صيف لبنان والحرب التي انتهت قبل اندلاعها
19-07-2022