لعدة عقود تمركز حل صراع الشرق الأوسط حول عبارة دبلوماسية واحدة وهي «حل الدولتين»... في الأصل كان واضحاً أن الشعار يرمز إلى فكرة ملموسة عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة بجانب إسرائيل، ولكن بالنسبة لمعظم الساسة أصبحت شعاراً فارغاً يتم تكراره بصورة غير مقنعة وبدون أي رغبة حقيقية في رؤية تنفيذه.راقب على سبيل المثال ما أعلن من مكالمة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وحسب بيان الخارجية الأميركية فإن بلينكن ركز على أن الولايات المتحدة ملتزمة بتحسين نوعية الحياة للشعب الفلسطيني بطرق ملموسة، وأن إدارة (بايدن) تدعم حل الدولتين من خلال التفاوض.
لا جديد في هذا الكلام، فرغم أن الولايات المتحدة اعترفت رسميا بإسرائيل بقبولها قرار التقسيم لعام 1947 فمازالت غير معترفة بالدولة الفلسطينية الواردة في نفس قرار التقسيم، ومنذ ذلك الوقت احتلت إسرائيل باقي المناطق المخصصة للدولة الفلسطينية، ورغم أن الولايات المتحدة ومعظم باقي دول العالم طالبت اسرائيل بإنهاء احتلالها لملايين الفلسطينيين فإنها لم تفعل أي شيء لتغيير الأمر الواقع، وذلك رغم أن الأمم المتحدة قد اعترفت بفلسطين كدولة غير عضو وقد اعترف رسميا 139 دولة عضواً في الأمم المتحدة بدولة فلسطين إلا أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وأستراليا لم تتخذ نفس القرار المهم.رغم ذلك يستمر المسؤولون الأميركان بصورة روتينية في تكرار جملة «حل الدولتين» والتي اصبحت عبارة لا معنى لها.وحيث إن قليلين يتوقعون ان تقوم الولايات المتحدة بمقاطعة إسرائيل أو تسليح الفلسطينيين (كما تعمل مع الأوكرانيين) إلا أن هناك خطوات عملية يمكن للولايات المتحدة والمجتمع الدولي أن يقوما بها كي تتم ترجمة عبارة حل الدولتين وكي لا يكون عبارة عن شعار فارغ من المعنى.فعلى سبيل المثال يمكن للولايات المتحدة أن تسحب اسم منظمة التحرير الفلسطينية -والتي وقعت اتفاق أوسلو مع إسرائيل- من قائمة المنظمات الإرهابية، كما يمكن للولايات المتحدة أن تمنع استيراد أي مواد مصنعة في المستوطنات اليهودية غير القانونية والتي تحمل شعار «صنع في اسرائيل» وهو بيان مصدر غير صحيح. كما يمكن أن تطالب إسرائيل بوقف استخدام العنف يوميا ضد الفلسطينيين وأن تعمل على إحقاق العدالة في قضية مقتل شيرين أبوعاقلة الصحفية الأميركية الفلسطينية، والتي اعترف مسؤولون أميركان بأنها قُتلت على الأرجح برصاصة إسرائيلية.أميركا يمكن ان تعمل اكثر لمساعدة الشعب الفلسطيني عبر بناء مؤسسات الدولة، وهو أمر ضروري لإنهاء سيطرة إسرائيل على الأرض والمياه والهواء في فلسطين، فإسرائيل تحدد استخدام المياه للفلسطينيين وتضع إجراءات لمنع البناء الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وتقوم بشكل دائم بهدم البيوت وترفض حتى تحديث اجهزة البث للخلويات الفلسطينية في حين يتم السماح بإقامة أبراج غير قانونية إسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة.وتحت هذه الظروف من المستحيل إقامة اقتصاد فلسطيني مستقل، ولكن دعم تحسين وتفاعل اقتصادي أفضل مع الدول العربية المجاورة خصوصا الأردن ومصر سيكون له دور مهم في إنهاء الاعتماد الإجباري على اسرائيل.يجب أن تكون هناك شرطة فلسطينية على جسر الملك حسين المعبر الوحيد بين الضفة والأردن ويجب أن يتم السماح للفلسطينيين بالتنقل الحر بين الضفة وقطاع غزة، فإسرائيل نفسها التزمت هذين المطلبين عندما وقعت اتفاقيات أوسلو.التطورات السياسية تشير إلى أن كل هذا ممكن، وبعكس رئيس الوزراء اليميني السابق نفتالي بنيت فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي الوسطي في حكومة تسيير الأمور يائير لابيد يؤيد حل الدولتين وهو من مناصري التفاوض مع القيادة الفلسطينية.قد تكون فترة حكم لابيد قصيرة، خصوصا أن الإسرائيليين يتوجهون إلى انتخابات عامة لاختيار حكومة في شهر أكتوبر القادم، ومرة أخرى على الفلسطينيين انتظار نتائج انتخابات إسرائيل وهو أمر أصبح مضيعة للوقت. إن الأرض بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن يجب أن تقسم إلى دولتين مستقلتين أو أن تتم المعيشة المشتركة للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني في دولة يحق لجميع المواطنين المساواة في الحقوق.القادة الإسرائيليون والأميركان الذين يؤمنون بحل الدولتين عليهم إثبات أنهم يعنون ما يقولون، وعلى أقل تقدير يجب أن تطلب أميركا – وتحت تهديد العقوبات- من إسرائيل أن تتوقف عن أي أعمال قد تؤثر على قيام دولة فلسطينية مترابطة.عندما كان بايدن نائب الرئيس سمحت إدارة أوباما بقرار مجلس الأمن لقرار 2334 والذي اعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 غير قانونية وطالب إسرائيل بمنع أي بناء إضافي للمستوطنات في الأراضي المحتلة. ولكن بعد مغادرة بايدن من المقرر أن تعلن إسرائيل الموافقة على خطة استيطانية والتي ستمنع من الترابط بين شمال وجنوب الضفة الغربية.إن استمرار الاستيطان الإسرائيلي يحول فكرة الدولتين والقادة الذين يؤيدونها إلى أضحوكة، ويبقى السؤال: هل القادة العالميون ومنهم بايدن جادون عندما يتحدثون عن دولة فلسطينية ديموقراطية بجانب دولة إسرائيل؟ ففي غياب تغيير حقيقي في السياسة سيكون شعار «حل الدولتين» شعاراً فارغاً لا معنى له. * صحافي فلسطيني وأستاذ سابق في جامعة برنستون الأميركية.* داود كُتّاب
مقالات
فرصة أخيرة لإحياء حل الدولتين
19-07-2022