«التمييز»: أم الهيمان غير صالحة للسكن
• المحكمة ألزمت «السكنية» تبديل منزل مواطن بها إلى منطقة أخرى بسبب التلوث
• الفيلي لـ «الجريدة.» : الحكم مؤشر يلزم الحكومة بتعويض جميع السكان ويفتح الباب لإجراءات أوسع
• القضاء اعتبر المنطقة غير صالحة للسكن وطالب بمنح مواطن منزلاً بديلاً في ضاحية أخرى
بعد نحو 26 عاما على إنشاء منطقة أم الهيمان (ضاحية علي صباح السالم حاليا)، اعتبرت محكمة التمييز، في حكم لها أمس، أن المنطقة المذكورة غير صالحة للسكن، نتيجة ما أظهرته تقارير الخبرة التي أجراها مجلس حماية البيئة قبل إنشاء المنطقة السكنية، وأثبتت أن تلك المنطقة تتعرّض لمستويات مرتفعة من الملوثات تزيد على الحدود المسموح بها للمناطق السكنية.وفيما «انتصرت» المحكمة، في حكمها البارز أمس، لمطلب أحد المواطنين من سكان «أم الهيمان» بإلزام المؤسسة العامة للرعاية السكنية بإبدال منزله بآخر في منطقة صالحة للسكن، فإنّ هذا الحكم يشرع الأبواب أمام مطالبات مماثلة من شأنها أن تُربك «السكنية» والجهات الحكومية ذات الصلة، خصوصا أن المنطقة تحتوي على أكثر من 3763 وحدة سكنية. وعلى امتداد عقود عدة مضت، شكّلت منطقة أم الهيمان الخاصرة الأضعف بيئيا في البلاد، نتيجة قربها من المناطق الصناعية وانبعاثاتها، وهو ما شكّل على الدوام محور صرخات السكان الذين آثر بعضهم هجر منازلهم نتيجة مضاعفات سبّبتها تلك الانبعاثات، بالرغم من بعض التقارير البيئية التي اعتبرت أن مستويات التلوث البيئي في الحدود المسموح بها، وهي بالتالي لا تؤثر على صحة السكان في المنطقة.
تقع «أم الهيمان» في محافظة الأحمدي، وتبعد عن محافظة العاصمة ومدينة الكويت 56 كيلومتراً، وتم تشييدها عام 1977، وكانت في السابق منطقة حضرية قديمة غير منظمة ومتهالكة، ويسكنها قليل من السكان، وقد تم هدمها بالكامل وإعادة تنظيمها بطريقة حديثة من خلال بناء البيوت الحكومية والقسائم السكنية بمساحة 400 متر مربع، وتغيير اسمها من أم الهيمان إلى ضاحية علي صباح السالم عام 1996، تنفيذاً لطلب أعضاء مجلس الأمة آنذاك. وتعتبر «أم الهيمان» واحدة من أكبر المناطق السكنية في محافظة الأحمدي، وتنقسم إلى 9 قطع سكنية، تحتوي على أكثر من 3763 وحدة بمساحة 400 متر مربع، منها 1581 قسيمة، و2182 بيتاً جاهزا، ويقدّر عدد سكانها بـ 47302 نسمة، وقد بلغت تكلفة إنشائها 12 مليون دينار.
المنطقة والمشكلات البيئية
وقد ازدادت خلال العقد الماضي التجاذبات حول التلوث البيئي في المنطقة، لاسيما مع تسجيل زيادة في معدلات الأمراض بين سكان المنطقة. ففي عام 2009 أعدت الهيئة العامة للبيئة تقريرا بشأن تلوث المنطقة الجنوبية، وكشف مصدر مسؤول في الهيئة أن محطاتها رصدت في المنطقة الجنوبية زيادة نسب التلوث الهوائي في المناطق القريبة من المصانع ومصافي النفط خلال فترة المساء والليل والساعات الأولى من الفجر.وقالت المصادر إن الهيئة اكتشفت أن عددا كبيرا من المصانع تستغل فترة الليل من أجل بث سموم مخالفاتها الصناعية، خشية عيون مراقبي الهيئة ومحطات الرصد، وأكدت أن ذلك يعد مخالفة صريحة من قبل هذه المصانع، وأن الهيئة رصدت عشرات المصانع المخالفة لقوانينها الخاصة بالتلوث في المنطقة الجنوبية.وكشفت أن مجلس الوزراء كلّف، آنذاك، وزارة الصحة والهيئة العامة للبيئة بإجراء مسح شامل لسكان المناطق الجنوبية القريبة من مصادر الانبعاثات والتلوث، وذلك من أجل التأكد من مدى ارتباط الأمراض التي ازدادت أخيرا بين سكان هذه المناطق بمصادر التلوث والانبعاثات النفطية والصناعية المختلفة، علما بأن أكثر الأمراض التي تم اكتشاف مراجعة سكان المنطقة لها، وخاصة كبار السن والأطفال خلال السنوات الخمس الأخيرة، تمثلت في الربو والحساسية وأمراض الجهاز التنفسي والجلدية.توصيات برلمانية للمعالجة
وفي عام 2010 دخلت لجنة البيئة البرلمانية على خط تلوث المنطقة، وأورد تقرير اللجنة 13 توصية نيابية بشأن هذا الملف «حددت الإجراءات المناسبة من أجل رفع الكربة عن هذه المنطقة، والعودة بالملوثات إلى مستويات طبيعية، لكي تتناسب مع المعدلات العالمية، حتى لا تشكّل أي ضرر أو تهديد لحياة الناس في ضاحية علي صباح السالم».كما دعت التوصيات الحكومة الى تكثيف إجراءاتها الرقابية والفنية من خلال مؤسساتها وهيئاتها، ومن خلال مؤسسات عالمية متخصصة للحفاظ على البيئة، وكذلك محاسبة المصانع المخالفة في أم الهيمان، علما بأن التقرير ألمح الى ضعف رقابة الجهاز الحكومي على المصانع المخالفة التي لم تلتزم بالاشتراطات البيئية. وفي عام 2014، تقدّم 97 مواطنا بدعوى الى الدائرة المدنية في المحكمة الكلية، بطلب ندب إدارة الخبراء لإثبات بيان الأضرار التي أصابتهم من جراء وجود الأدخنة والغازات المنبعثة في المنطقة، والتي يصدرها 37 مصنعا ومنشأة صناعية هناك.وأوضح الأهالي أن إحصاءات وزارة الصحة عن حالات الإصابة بالربو، وصلت في منطقة أم الهيمان الى اكثر من 1399 حالة، وهي أعلى بـ 10 أضعاف من أعلى منطقة في الكويت إصابة بالربو، وهي الصباحية 174 حالة، رغم أن عدد سكان منطقة الصباحية 4 أضعاف سكان «أم الهيمان».كما أشار الأهالي الى دراسة أجراها معهد الكويت للأبحاث العلمية في شهر يونيو عام 2004، وظهرت نتائجها في شهر يناير 2005، والتي أكدت أن نسبة التلوث في منطقة أم الهيمان تفوق المعدل المسموح به 19 ضعفا لمجموع متوسط كل الملوثات المقاسة.«الأبحاث» و«البيئة»: المنطقة خالية من التلوث
في مقابل التقارير الكثيرة التي أجمعت على وجود تلوث عالي المستوى في المنطقة، كشف تقرير أعده معهد الكويت للأبحاث العلمية، بدعم من الهيئة العامة للبيئة عام 2014، حول مستويات التلوث في منطقة علي صباح السالم، أن المنطقة آمنة وخالية من التلوث البيئي، وذلك بعكس ما يتم تداوله عن التلوث فيها نتيجة قربها من المصافي النفطية.وأشار التقرير، آنذاك، الى أن نتائج الدراسة التي اعتمدتها الهيئة رسميا خلُصت في المجمل الى أن «أم الهيمان» والمناطق المجاورة لها خالية من التلوث، وصالحة للسكن، ولا تسبب أمراضا خطيرة تضر بصحة الإنسان.وأوضح أن التراكيز المقاسة لغازات ثاني أوكسيد الكبريت وكبريتيد الهيدروجين وثاني أوكسيد النيتروجين لا تمثّل مشكلة لجودة ونوعية الهواء في تلك المنطقة، وبرغم التجاوزات المتكررة للمركبات الهيدروكربونية دون الميثان، فإنه لا يمكن اعتبارها ذات أهمية بالنسبة إلى جودة الهواء لأسباب عدة.وأشار الى أن النتائج أثبتت أيضا أن نسب غاز الأوزون في تلك المنطقة قليلة جدا، ولا تسبب تأثيرات صحية على الإنسان، وأن تركيز انتشار الملوثات في المنطقة مشابه جدا لما في منطقة الأحمدي، وهما أقل تأثيرا لانتشار الملوثات في منطقة الفحيحيل القريبة من الصناعات النفطية، وخصوصا المصافي.