شكل المرسوم بقانون رقم 106/ 1976، الذي قضى بإنشاء صندوق للأجيال القادمة يحفظ فيه حقهم من الثروة النفطية، أحد القوانين المهمة التي تضمن للأجيال حقها في هذه الثروة الناضبة التي يجب أن تعم منافعها على الأجيال الحاضرة والمتعاقبة. وقد تباينت المواقف حيال التعاطي مع نسبة الاقتطاع لمصلحة الصندوق من الإيرادات العامة للدولة، تبعاً لحالة الوفرة المالية، حيث قضت بعض المطالبات برفع نسبة الاقتطاع للصندوق من 10 إلى 25 في المئة في فترة انتعاش أسعار النفط، بينما اعتبرت مواقف أخرى أن موجودات الصندوق تشكل خزانا ماليا يمكن اللجوء إليه لتغطية عجز ميزانية الدولة عند تراجع الإيرادات.
وأعدت أستاذة المالية العامة عضوة هيئة التدريس في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. فاطمة دشتي دراسة خصت بها «الجريدة»، حول قانون صندوق الأجيال وتعديلاته، والاقتراحات الممكنة للاستفادة من الصندوق دون أي تأثير على حق الأجيال في الاستفادة من الثروة الراهنة، وفيما يلي التفاصيل:تعتمد الكويت على إيراد اقتصادي ناضب وهو البترول، فهو المصدر الرئيسي للإيرادات العامة للدولة، ونصت المادة 21 من الدستور على أن «الثروات الطبيعية جميعها ومواردها كافة ملك الدولة، تقوم على حفظها وحسن استغلالها بمراعاة مقتضيات أمن الدولة واقتصادها الوطني».وحرصاً على حفظ هذه الثروة، وتجنيب جزء منها وحفظه للأجيال القادمة، وبمبادرة من الشيخ جابر الأحمد، طيب الله ثراه، صدر المرسوم بقانون رقم 106/ 1976 لينشئ صندوقا للأجيال القادمة، يحفظ فيه حقهم من الثروة النفطية، خصوصا أن صندوق الاحتياطي العام أصبح هدفا سهلا للسحب منه، في ظل زيادة النفقات العامة، وصدور قوانين تسمح بفتح اعتمادات إضافية لتغطية النقص في الميزانية العامة للدولة، وهو ما نص عليه الدستور في المادة 146، ونصت عليه اللائحة الداخلية لمجلس الأمة في المادة 170 منها.وسنقوم في هذه الدراسة بداية باستعراض المرسوم بقانون رقم 106/ 1976 الخاص باحتياطي الأجيال القادمة، ثم نعرج بعد ذلك للتعديل الذي ورد عليه، من حيث أسبابه وظروفه، وبعد ذلك نحاول الوقوف عند تحديد المستهدفين بهذا الصندوق؛ ومن هم الأجيال القادمة؟
حقوق الأجيال
أولاً: المرسوم بقانون رقم 106/ 1967 بشأن احتياطي الأجيال القادمةأساس صندوق احتياطي الأجيال القادمة وطريقة عمله: نص المرسوم بقانون بشأن احتياطي الأجيال القادمة على أن يفتح حساب خاص لتكوين احتياطي بديل للثروة النفطية يسمى احتياطي الأجيال القادمة، وتُضم نسبة قدرها 50% من الاحتياطي العام للدولة الموجود عند العمل بهذا القانون إلى هذا الحساب، ليكون بمنزلة التمويل الأولي لهذا الصندوق، وتُقتطع سنويا اعتبارا من السنة 1976-1977 نسبة قدرها 10% من الإيرادات العامة للدولة تضاف لهذا الصندوق، بحيث تُكون تمويلا دوريا ومستمرا لهذا الصندوق، وقد نصت المادة الثانية من هذا المرسوم على أن تقوم وزارة المالية باستثمار تلك الأموال ثم يضاف عائد استثماراتها إلى حساب صندوق احتياطي الأجيال القادمة.وصدر القانون رقم 47 لسنة 1982 بإنشاء الهيئة العامة للاستثمار، لتتولى باسم حكومة الكويت ولحسابها إدارة استثمار المال الاحتياطي للدولة والأموال المخصصة لاحتياطي الأجيال القادمة، وغير ذلك من الأموال التي يعهد بها وزير المالية إلى الهيئة لإدارتها، وتلحق هذه الهيئة بوزير المالية.ونصت المادة الثالثة من المرسوم المذكور على أنه لا يجوز خفض النسبة المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون أو أخذ أي مبلغ من صندوق احتياطي الأجيال القادمة، وهنا حرص المشرع على حفظ محتوى هذا الصندوق باستمرارية الحد الأدنى لهذه النسبة، وحظر تخفيضها من جهة، وعدم جواز سحب أي مبلغ من هذا الصندوق من جهة أخرى، وقد صدر قرار مجلس الوزراء رقم 993 في سنة 2012 بزيادة هذه النسبة لتصل إلى 25% من الإيرادات العامة للدولة، نتيجة لزيادة الأخيرة بسبب ارتفاع أسعار البترول، وقد استند مجلس الوزراء في قرار زيادة هذه النسبة إلى رأي «الفتوى والتشريع» بجواز ذلك رغم طعن البعض بعدم دستورية هذا التعديل.تعديل نسبة الاقتطاع بالزيادة والرجوع عنها: ولم يستمر الأمر طويلا، فسرعان ما انخفضت أسعار البترول انخفاضا كبيرا، وانعكس ذلك على الإيرادات النفطية التي لم تتحمل خصم هذه النسبة، فقد تم خصم نسبة الـ 25 في المئة مدة 3 سنوات، حيث بدأ تطبيقها سنة 2012، وانتهى العمل بها سنة 2015 (مرسوم بالقانون رقم 5 لسنة 2012 بربط ميزانية 2012/ 2013 - مرسوم بالقانون رقم 120 لسنة 2013 بربط ميزانية 2013 /2014 - مرسوم بالقانون رقم 92 لسنة 2014 بربط ميزانية 2014/ 2015).وتم الرجوع الى النسبة المقررة سابقا وهي 10 في المئة، وذلك بقرار من مجلس الوزراء، الذي صدر وفقه القانون رقم 59 لسنة 2017 باعتماد الحساب الختامي للإدارة المالية للدولة عن السنة المالية 2015/ 2016. وقد استمرت الحال حتى صدور التعديل بالقانون رقم 18 / 2020 بشأن صندوق احتياطي الأجيال القادمة، الذي ترتّب عليه تعديل آلية الاقتطاع لمصلحة هذا الصندوق، وهو ما سنتناوله في القسم الثاني من هذه الدراسة.تعديلات المرسوم
ثانيا: تعديل المرسوم بقانون رقم 106/ 1976لعل من أسباب تعديل القانون رقم 106/ 1976 بإنشاء صندوق احتياطي الأجيال القادمة بالقانون رقم 18/ 2020 الآتي:1 - اعتماد دولة الكويت على الإيرادات النفطية بشكل رئيسي (حيث شكلت الإيرادات النفطية في ميزانية 2022/ 2023 ما يعادل 89 في المئة مقابل 11 في المئة للإيرادات غير النفطية)، مما يجعلها تتأثر بشكل كبير بتغير الأسعار ارتفاعا أو انخفاضا لخضوعها لقوانين السوق النفطية (العرض والطلب)، في ظل منظومة لا تستطيع فيها اتخاذ القرار بشكل فعال، مما جعلها لا تملك الرؤية المستقبلية الواضحة لحجم إيراداتها الناتجة عن هذا المورد غير المستقر، فزيادة الإيرادات العامة للدولة مرتبطة بزيادة أسعار البترول، والعكس صحيح.2 - ازدياد النفقات العامة في مواجهة الإيرادات العامة للدولة واستمرارية عجوزات الميزانية أديا الى اللجوء الى أسهل الحلول وأسرعها، وهو السحب من الاحتياطي العام للدولة في ظل غياب أمرين:أ- الاستراتيجية الفعالة والمدروسة لتنويع الدخل.ب- عدم وجود آلية واضحة للسحب من صندوق الاحتياطي العام للدولة بما يحقق أهدافه، مما أدى الى نضوب سيولة هذا الصندوق وأثّر على التصنيف الائتماني لدولة الكويت.3 - عدم التوازن في تركيبة المصروفات العامة للدولة، حيث تشكّل المرتبات والدعوم فيها 75 في المئة من ميزانية الدولة، في حين تشكّل المصروفات الرأسمالية 13 في المئة، مما يتعارض مع خطط التنمية التي تستوجب توجيه نسبة كبيرة من هذه المصروفات للمشاريع الإنمائية ومشاريع البنية التحتية في الدولة.4 - السحب التلقائي بنسبة ثابتة 10 في المئة من الإيرادات العامة للدولة، وهو ما قررته المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 106/ 1976 بشأن صندوق احتياطي الأجيال القادمة، وفي ظل ظروف معيّنة لا تتلاءم مع التغيرات التي طرأت على الواقع الاقتصادي والمالي لدولة الكويت، وبعد مرور ما يعادل 46 عاما على صدور هذا المرسوم أصبح تعديله أمرا ملحّا ومستحقا لمواجهة شحّ السيولة الناتج عن انخفاض أسعار النفط. فحوى التعديل نص القانون رقم 18/ 2020 بشأن تعديل بعض أحكام المرسوم رقم 106/ 1976، على ان يستبدل بنص المادتين الأولى والثالثة من المرسوم المذكور نص المادتين التاليتين:مادة أولى: «في حال زيادة الإيرادات السنوية عن المصروفات تقتطع سنويا نسبة من الفائض الفعلي من نتائج الحساب الختامي للدولة، تحدد بناء على اقتراح وزير المالية وموافقة مجلس الوزراء، وذلك اعتبارا من نتائج السنة المالية 2018/ 2019.وتدرج هذه النسبة في مشروع القانون باعتماد الحساب الختامي للإدارة المالية للدولة، على أن يضاف الى المال الاحتياطي العام صافي الإيرادات الناتجة عن استثماره وايرادات الأموال الأخرى المستثمرة، بعد أن تقتطع من ذلك نسبة مئوية تضاف الى احتياطي الأجيال القادمة، وذلك إذا كانت حالة الاحتياطي العام تسمح بذلك».حماية الاحتياطي
مادة ثالثة: «لا يجوز أخذ أي مبلغ من احتياطي الأجيال القادمة».وضع التعديل آلية وشروط جديدة لما يدخل لصندوق الأجيال القادمة من أموال من الإيرادات العامة للدولة، وذلك وفق ما يلي:1 - بداية سريان التعديل: حدد المشرع في التعديلات التي وضعها بداية لتطبيق هذه الآلية الجديدة، وذلك ابتداء من نتائج السنة المالية 2018/ 2019.2 - نطاق الاقتطاع: أجاز المشرع بداءة اقتطاع نسبة من الإيرادات السنوية فقط في حالة زيادة هذه الإيرادات على المصروفات، وفي غير ذلك من الأحوال لا يجوز اقتطاع هذه النسبة.كما قرر المشرّع اقتطاع هذه النسبة من الفائض الفعلي من نتائج الحساب الختامي أي في نهاية كل سنة مالية.3 - الاختصاص بالاقتراح ومراحله: تُحدد هذه النسبة بناء على اقتراح من وزير المالية بعد موافقة مجلس الوزراء. وحسنا فعل المشرّع بإناطة هذا الأمر بوزير المالية، فهو المطلع على الحالة المالية للدولة، وهو وزير الخزانة العامة، ويترأس إدارة الهيئة العامة للاستثمار المسؤولة عن استثمار هذه الأموال. هنا نتوقف قليلا فاقتراح وزير المالية معلّق على موافقة جهة معيّنة هي مجلس الوزراء، وإن كان البعض يرى أنه مجرد إجراء شكلي، فمجلس الوزراء يقدر أن اقتراح هذه النسبة هو أمر فنّي يتصل بمجال عمل الوزير، فهو الذي يحدد شكل الميزانيات العامة وتقسيماتها ومشتملاتها وفق المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 31/ 1976 بقواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها والحساب الختامي. ولم يتطرّق النص هنا لفرضية رفض مجلس الوزراء للاقتراح المقدّم من الوزير المذكور. وإن اعتبرنا هذه الفرضية احتمالا نظريا قائما توقّع حدوثه ليس عاليا، فالحل هنا بالرجوع إلى القواعد العامة، فمن يملك سلطة الإقرار والموافقة يملك سلطة التعديل والرفض، ما لم يكن هناك نص يقرر غير ذلك.4 - دور مجلس الأمة: تُدرج النسبة التي اقترحها وزير المالية ووافق عليها مجلس الوزراء في مشروع القانون باعتماد الحساب الختامي للإدارة المالية للدولة، وهنا نستطيع القول ان المشرع ورغم اناطته حق الاقتراح بوزير المالية وموافقة المجلس فإنه أوجب تضمينه مشروع القانون باعتماد الحساب الختامي باعتباره تعديلا أو إضافة على الحساب الختامي، مما يتطلب عرضه على السلطة التشريعية وصدوره بقانون، والسؤال هنا ماذا لو رفض مجلس الأمة إقرار الحساب الختامي؟وهنا نعتقد أن الفكرة من إقرار الحساب الختامي هي إعطاء ما يشابه شهادة إبراء ذمة لقرارات الإدارة المالية للسنة المالية السابقة، وربط هذا البيان الخاص بصندوق الأجيال القادمة بالحساب الختامي قد يبدو للوهلة الأولى مبررا، فنحن بصدد تصرفات انصبت على الميزانية التي كانت إداريا محلا للحساب الختامي، ولكن هذا الاختيار يُعرض هذه البيانات لمخاطر رفض الحساب الختامي، إذا وجد البرلمان أن هناك تنفيذا سيئا للميزانية العامة للدولة يبرر رفض حسابها الختامي، وعدم إبراء ذمة الجهاز الإداري الذي أدارها.لذلك نعتقد أنه من الأفضل أن يفرد حساب خاص بصندوق الأجيال القادمة يتضمن آلية رقابة تتسق مع طبيعة إيرادات ومضمون هذا الصندوق، وبذلك نُجنب البيانات المذكورة أخطار الرفض، ونعلي من أهمية الرقابة الفعلية التي يمارسها مجلس الأمة بالنيابة عن الشعب في ظل اعتبارات يستجوبها عمل هذا الصندوق.ضوابط الاقتطاع
5 - القواعد التي تحكم الاقتطاع: يضاف إلى الاحتياطي العام للدولة صافي الإيرادات الناتجة عن استثماره وإيرادات الأموال الأخرى المستثمرة، ولا يكون ذلك الا بعد اقتطاع نسبة مئوية تضاف الى احتياطي الأجيال القادمة في حالة إذا كانت حالة الاحتياطي تسمح بذلك، وهنا أوجب المشرع إضافة المبالغ التالية الى الاحتياطي العام للدولة: أ- صافي الإيرادات الناتجة عن استثمار الاحتياطي العام للدولة.ب- إيرادات الأموال الأخرى المستثمرة، وهي الأموال التي يعهد بها وزير المالية الى الهيئة لإدارتها مادة 2 من القانون رقم 47 لسنة 1982 بإنشاء الهيئة العامة للاستثمار، وقرر المشرع هنا اقتطاع نسبة مئوية تضاف إلى احتياطي الأجيال القادمة بشرط أن الوضع المالي للاحتياطي العام يسمح بذلك، فإن كانت الحالة المالية لهذا الأخير لا تسمح بذلك فلن يتم هذا الاقتطاع، وهذا يعني أنه في حالة وجود فائض في الإيرادات على المصروفات تقتطع النسبة التي يقترحها وزير المالية بداءة، ويوافق عليها مجلس الوزراء ويقرها مجلس الأمة وتضاف مباشرة إلى الاحتياطي العام للدولة، دون أن يكون لصندوق الأجيال القادمة نصيب منها، وهو أمر منطقي، فالأصل أن تذهب إيرادات هذه الاستثمارات لصندوق الاحتياطي العام للدولة.ولم يحدد المشرع من يحدد النسبة المقتطعة من صافي الإيرادات الناتجة من الاستثمارات لمصلحة صندوق احتياطي الأجيال القادمة، وهو تقصير تشريعي، وان كنا نميل إلى أن هذه المهمة منوطة بوزير المالية ما دام انه، أي المشرع، قد أسند مهمة اقتراح تحديد النسبة الأولية المقتطعة من الإيرادات العامة في حالة وجود الفائض الى وزير المالية، أو يشير الى تحديد هذه النسبة بصريح النص في التعديل الوارد في القانون رقم 18 /2020.6 - حظر السحب: حظر المشرع سحب أو أخذ أي مبلغ من احتياطي الأجيال القادمة، قد يبدو الأمر منطقيا للوهلة الأولى، فالهدف من وجود هذا الصندوق تجنيب جزء من الإيرادات العامة ورصدها واستثمارها لتأمين مستقبل الأجيال القادمة، وهو ما ذكرته المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 106/ 1976 بشأن احتياطي الأجيال القادمة، ولكن ورود هذا الحظر بشكل مطلق وبالصيغة التي وردت في المادة الثالثة من القانون رقم 18/ 2020 يجعلنا أمام حكم لا يستجيب لمبرر تشريع هذا القانون، وهو وجود آلية لعملية السحب حين الاحتياج، ويجعلنا أيضا أمام واقع إلزامي، وهو صدور قانون لاجازه ذلك، والا فسنكون أمام صندوق مغلق لا يفتح الا لإضافة الأموال والاستثمارات له مما يخرج الصندوق عن غاياته. ثالثاً: ما المقصود بالأجيال القادمة؟بتتبع التشريعات التي عرضت لموضوع صندوق احتياطي الأجيال القادمة، وهي المرسوم بالقانون رقم 106/ 1976 بشأن احتياطي الأجيال القادمة، والذي يحتوي على أربع مواد فقط ومذكرة ايضاحية من صفحة واحدة. والقانون رقم 18 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكامه والذي قام باستبدال محتوى بعض المواد في هذا القانون (المادة الأولى والثالثة). والمرسوم بقانون رقم 31/ 1976 الخاص بقواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها والحساب الختامي. والمقترح بتعديله الذي أعد في سنة 2018، والمنشور على الموقع الرسمي لوزارة المالية والذي خصص الباب الرابع منه للأحكام الخاصة بالاحتياطي العام واحتياطي الأجيال القادمة، والذي يحتوي على مادة واحدة فقط في هذا الشأن، وهو ما نراه غريبا. والقانون رقم 47/ 1982 بإنشاء الهيئة العامة للاستثمار والمنوط بها استثمار المال الاحتياطي للدولة والأموال المخصصة لاحتياطي الأجيال القادمة. نلاحظ ان تعبير الأجيال المقبلة يثير نقاشا في مضمونه وهو محل خلاف بين الجمهور. فما هو المقصود بالأجيال القادمة؟ ومتى يصبح من الجائز السحب من صندوق الأجيال القادمة؟ أسئلة لم تجب عنها أي من التشريعات السابقة.ملاحظات ومقترحات
ولنا في ذلك إبداء الملاحظات التالية:1 - كل هذه التشريعات لم تتضمن أي تحديد لمفهوم الأجيال القادمة، وهو مفهوم أساسي في معرفة فئة المستفيدين من استثمارات هذا الصندوق.2 - قد يرى البعض أن صفة الأجيال القادمة تنصرف إلى من كان يافعاً وقت صدور هذا القانون، وهذا الافتراض يعني أن المستقبل يقتصر على هذا الجيل دون غيره من الأجيال، التي سوف تأتي بعد ذلك. كأنما المستقبل وفق أسلوب تقديرهم قد غدا حاضراً أو ماضياً ولن يتجدد بظهور أجيال قادمة، وعليه فإن الوقت قد حان لاستفادة هؤلاء من موجودات هذا الصندوق واستنزافه. ونحن نعتقد أن هذا التفسير غير صائب، لأنه افترض قصداً للمشرع يتعارض مع فكرة استمرار الدولة وديمومتها، فتشريع هذا القانون يوحي بأن الفكرة منه هو أن يكون مصدراً من مصادر الميزانية يتصف بالاستدامة والاستمرار ويمكن التعويل عليه لمواجهة أي عجز يواجه الميزانية. خصوصاً أننا بصدد ميزانية يعتمد تمويلها على مصدر ناضب من جهة وأسعار متذبذبة من جهة أخرى. ولكن الاستعانة بهذا الصندوق يجب أن تكون مقرونة بالاستخدام الحصيف الرشيد، كمن يقطف ثمار الشجرة ويحافظ على ديمومتها.3 - تحديد مفهوم دقيق وواضح للمقصود بعبارة «الأجيال القادمة» يجب أن يتماشى مع غرض إنشاء صندوق احتياطي الأجيال القادمة، وهو حفظ الإيرادات النفطية في زمن الوفرة واستثمارها وزيادتها للاستفادة منها في زمن الحاجة ولأجيال متعاقبة لم تشهد هذه الوفرة، لكن قد تواجه خطر انخفاض أسعارها أو نضوبها ونفادها.4 - تحديد الوقت المناسب للاستفادة من استثمارات صندوق الأجيال القادمة هو أمر يخضع لواقع غير مألوف، فنحن أمام اقتصاد يعتمد في نموه على بيع البترول وإنتاجه، اقتصاد تتذبذب فيه إيرادات الدولة من سنة لأخرى في ظل خلل بنيوي بتوزيع النفقات في الميزانية العامة للدولة كما ذكرنا سابقاً، ولا يقف الأمر عند هذ الحد فالقانون رقم 106/ 1976 لم ينظم بشكل دقيق وواضح وقت الاستفادة من استثمارات هذا الصندوق إلا من بعض العبارات التوجيهية في المذكرة الإيضاحية له، والتي تدعو إلى استخدام هذه الاستثمارات عند نفاد البترول ولم يعالج المشرع واقع انخفاض الأسعار وانخفاض السيولة في الميزانية نتيجة لذلك، مما يجعلنا أمام فراغ تشريعي في هذه الجزئية، ويحسن معالجته.5 - الاستفادة من عائدات صندوق احتياطي الأجيال القادمة لا يعني استنزاف موجودات هذا الصندوق وأصوله كما حدث مع صندوق الاحتياطي العام للدولة وإنما يكون ذلك:أ- بوجود آلية واضحة تتلاءم مع أهداف هذا الصندوق وموجوداته (تحديد مقدار ونسبة السحب- وقت السحب وظروفه – لمن يوجه هذا السحب...).ب- يجب ألا ينظر إلى السحب من احتياطي الأجيال بوصفه الحل الوحيد والأسهل لحل مشكلة العجز والسيولة في الميزانية العامة للدولة، فهناك حلول أخرى كاللجوء للقرض العام أو تخفيض النفقات أو زيادة الإيرادات.ت- السحب من احتياطي الأجيال القادمة أو الاتجاه للحلول الأخرى المؤقتة، يجب أن يكون من خلال منظومة اقتصادية إصلاحية متكاملة وبشكل موازٍ للوصول إلى حلول جذرية يتعافى فيها الاقتصاد.في نهاية هذه الورقة، نستطيع القول إن القانون رقم 106/ 1976 بتعديلاته قدم لنا حلولاً لحفظ الثروة النفطية لأجيال المستقبل، دون أن يقدم لنا آلية للاستفادة من استثمارات هذه الثروة متى ولمن تقدم، مع حظر مطلق غير محدد للسحب من صندوق احتياطي الأجيال المقبلة، وهو أمر منتقد يتعارض مع أهدافه وأسباب وجوده. وقد حاولنا تقديم أفكار نظن أنها مفيدة في هذا الصدد.توصيات الدراسة
بناء على ما تقدم ختمت دشتي دراستها بالتوصيات التالية:• تحديد المقصود بمفهوم الأجيال القادمة بدقة في القوانين ذات الصلة.• إلغاء الحظر المطلق لإمكانية السحب من صندوق احتياطي الأجيال القادمة، لأنه يتعارض مع الهدف من إنشائه.• وضع آلية واضحة ومقننة للسحب من هذا الصندوق دون التأثير على أصوله. من الممكن أن يربط السحب بإجراءات تمهيدية توجب الرجوع إلى الرأي الفني، ومن خلال قنوات مختلفة، مما يجعل الرقابة أكثر فاعلية وإحكاما بحيث يمر هذا القرار عبر عدة قنوات قبل عرضه على مجلس الأمة.• إيراد حساب خاص لصندوق الأجيال القادمة عند عرضه على مجلس الأمة منفصل عن الحساب الختامي للدولة، مما يجنبه التأخير ومخاطر الرفض ويتضمن آلية رقابة تتلاءم مع طبيعة ايرادات الصندوق.