درب الشوك
درْب رئيس مجلس الوزراء القادم صعبٌ ومُضنٍ، وإذا صحت الأخبار التي تُتداول بقوة عن إسناد المنصب للشيخ محمد صباح السالم، فهذا يعني أنه سيكون في مكان لا يُحسد عليه فيما لو قرر، بحسب ثقافته الاقتصادية وخبراته السياسية، القبول بالمنصب، وتبنّى وضع البلد المقلوب بأكثر من «هرم المرحوم أحمد الرُّبعي في تصوره عن وزارة التربية»، وحسم أمر تصحيحه.فالشيخ محمد الصباح يدرك أنه بالكاد توجد مؤسسات قانونية مستقرة في الدولة يمكن أن تساعد رئيس الوزراء للعمل من خلالها، ويمكن أن توفّر له برنامج عمل إصلاحياً، وللشيخ محمد الصباح تجربة سابقة في وزارة الخارجية دفعته للخروج منها، بعد اقتناعه بأنه قد حُجبت عنه المعلومات وانتقصت منه سلطة اتخاذ القرار في قضية التحويلات.بهذه المناسبة، هناك مَن يتصور أن الشيخ محمد الصباح آثر الخروج وعدم المواجهة في ذلك الوقت، وذلك اجتهاد غير صحيح وظالم، حين نطالب المسؤول بمصارعة واقع سياسي فاسد بكامله، مع تقييد يده في حرية العمل، ومن ثمّ تفرض على اختصاصاته إملاءات سياسية يستحيل على أي مسؤول في منصب عالٍ أن يتعامل معها، وحدث هذا مع أكثر من وزير ومسؤول كبير في السابق، حين وجدوا أنفسهم في موقع الموظف الكبير، لا مالك القرار، فلا يجد عندها ذلك المسؤول أمامه غير الخروج من غرفة الاختناق تلك، والاستقالة.
كيف يمكن لأي رئيس مجلس وزراء يملك رؤية إصلاحية تقدّمية أن يخرج من دائرتين صعبتين جداً تضيّقان عليه حرية العمل وتسلبانه سلطة اتخاذ القرار من دون وجه حق؟ الأولى هي الدائرة الصغيرة المتمثلة في بيت الحكم، فهناك تطلعات ومنافسات وخلافات بين أهله للتصدّر فوق كرسي السلطة وإزاحة الآخر، وقد تستعمل في صراع المنافسة هذه أدوات غير سويّة وغير مشروعة، ولنا عبرة مُحزنة مع محاولة الراحل الشيخ ناصر صباح الأحمد للإصلاح، ولا يصحّ أن ننساها اليوم أو ننسى كيف حاول الشيخ ناصر أن يصارعها وكيف انتهت اليوم.الدائرة الثانية هي الدائرة الكبيرة للقوى النافذة والانتهازية التي ابتلعت ودمّرت دولة المؤسسات واستقلالها، فغاب عنها الحياد، وأضحت تابعة لمالك المال السياسي وصاحب السلطة غير الظاهرة، هي دائرة فساد متمدد من الأعلى إلى الأسفل، نواب فاسدون لا يمكن محاسبتهم، فهو منتخبون من قواعد شعبية، سلاحهم التهديد بالمساءلة السياسية ـ وكأنه توجد سياسة فعلية - إذا لم تمشِ معاملاتهم التي تتجاوز قواعد القانون، فهناك محسوبيات ووساطات وتنفيعات وغياب لمبدأي المساواة والعدالة في توزيع الفرص. وقد يجد الوزير في وزارته أو المسؤول المهموم بالعدل في دائرة عمله أن هناك بشراً لا يمكنه الاقتراب منهم، وقد تقادموا في مناصبهم وفسادهم لعقود ممتدة، هؤلاء يحجبون عن الوزير المعلومة الضرورية لأداء عمله أو يتلاعبون بها أو يسرّبونها لخصومه السياسيين عبر الإشاعات، ومن خلال «ذبابهم» التابعين في وسائل التواصل، في مجتمع يتآكل من الفراغ الفكري ويجتهد أفراده في الاستقصاء عن أي تفاهات سياسية واجتماعية... ما العمل مع كل هذا الكمّ المريض، ومن أين يبدأ رئيس الوزراء؟!