بدا المشهد بين روسيا والأوروبيين أشبه بلعبة «عض أصابع»، إذ ينتظر كل منهما من يتراجع أولا، مع تصاعد الضغوط الاقتصادية بسبب الحرب في أوكرانيا، وعدم وجود حلول ناجعة لاحتواء أزمتي الطاقة والغذاء.وقبل مغادرته إلى طهران، للمشاركة في قمة مع نظيريه الإيراني إبراهيم رئيسي والتركي رجب طيب إردوغان، حيث سيبحث كذلك أزمة الحبوب التي تتوسط أنقرة لحلها، أقر الرئيس الروسي، أمس، بتأثير العقوبات الغربية مؤكدا أنه لا يمكن عزل روسيا، وذلك بالتزامن مع اجتماع صعب لوزراء الخارجية الأوروبيين، لبحث فرض عقوبات جديدة على موسكو، في وقت يتزايد عداء الرأي العام الأوروبي للعقوبات، وسط ارتفاع أسعار الوقود والغاز والطاقة الكهربائية.
وفيما أظهر الاقتصاد الروسي قدرة على مقاومة العقوبات القاسية التي فرضها الغرب، والتي وصفت وقت إعلانها بأنها بمنزلة «قنبلة نووية»، قال بوتين خلال حديث مع شخصيات حكومية في مؤتمر عبر الفيديو، إنه «من الواضح أننا لا نستطيع أن نتطوّر بمعزل عن بقية العالم، ولكننا قطعا لن نفعل ذلك ولن نستسلم. كما تعلمون لا يمكنك فقط في عالم اليوم رسم دائرة حول كل شيء ووضع سياج عملاق، فهذا غير ممكن»، مضيفا أنه يجب على موسكو التركيز على تطوير التكنولوجيا الخاصة بها ودعم الشركات السريعة النمو.
مفاوضات صعبة
في المقابل، جدد وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، أمس، إرادتهم في تعزيز دعمهم لأوكرانيا، وزيادة ضغطهم على موسكو رغم التهديدات بقطع إمدادات الغاز الروسي، عبر فرض حظر على صادرات الذهب الروسي للكتلة الأوروبية، إضافة إلى سبل تعزيز الإجراءات العقابية الحالية. وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال إن وزراء خارجية الاتحاد اتفقوا على تقديم 500 مليون يورو إضافية في صورة مساعدات عسكرية لأوكرانيا.وردا على تصريحات رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي ندد بالعقوبات معتبرا أن الأوروبيين «أطلقوا النار ليس فقط على أقدامهم بل على صدورهم واختنقوا من جرائها»، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل إن «بعض القادة الأوروبيين صرحوا بأن العقوبات كانت خطأ. لا أعتقد أنها خطأ، هذا ما ينبغي علينا فعله، وسنواصل فعله»، معتبرا أن «العقوبات تعمل وتوجه ضربة شديدة لبوتين وشركائه، وستتفاقم آثارها بعد على الاقتصاد الروسي».في المقابل، واصلت المجر ضغوطها، وقال وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو، قبل الاجتماع الوزاري الأوروبي في بروكسل، «يتدهور الوضع العسكري (في أوكرانيا)، لكن بروكسل تقوم بصياغة حزمة جديدة من العقوبات بدلا من إحلال السلام».وأكد الكرملين أمس أن الرئيسين الروسي بوتين والتركي إردوغان سيبحثان في طهران آليات تصدير الحبوب الأوكرانية. وشدد بوريل على أن استئناف تصدير الحبوب من أوكرانيا «مسألة حياة أو موت بالنسبة لعشرات الآلاف من الأشخاص»، لافتا إلى أنه «يأمل» أن يتم التوصل إلى اتفاق.وأعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار موافقة اللجنة الرباعية، التي تضم بلاده وروسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة، على أسس المبادئ العامة للخطة الخاصة بـ «قضية الحبوب»، والتي يجب الآن تحديد تفاصيلها.وفي وقت سابق أجريت مفاوضات بإسطنبول بين الوفود العسكرية لروسيا وأوكرانيا وتركيا ووفد الأمم المتحدة بشأن تسوية «قضية الحبوب»، وتم التوصل إلى إنشاء مركز تنسيق في إسطنبول.تدمير المدفعية وخيانات
يأتي ذلك بينما تحتدم المعارك في شرق أوكرانيا، وفي حين أظهرت الاستراتيجية الروسية القائمة على القصف المدفعي نتائج جيدة، أمر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، خلال تفقده مجموعة قوات «فوستوك» الروسية، التي تنفذ مهام العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، أمس، قواته بإعطاء الأولوية لتدمير الصواريخ والمدفعية بعيدة المدى للجيش الأوكراني، «التي تستخدم لقصف أراضي دونباس، وإحراق حقول القمح بشكل متعمد، وكذلك منشآت تخزين الحبوب»، بعد استخدام الأسلحة التي قدمها الغرب لضرب خطوط الإمداد الروسية.وفيما أعلنت الاستخبارات العسكرية البريطانية، أمس، أن روسيا استعانت بمقاتلي «مجموعة فاغنر»، أقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رئيس جهاز أمن الدولة إيفان باكانوف، والمدعية العامة إيرينا فينيديكتوفا، «بعد تسجيل 651 دعوى جنائية بشأن أنشطة التعاون والخيانة لموظفين في مكاتب الادعاء العام وهيئات التحقيق السابق للمحاكمة ووكالات إنفاذ القانون».الصين ليست طرفاً
ورغم أن بلاده تشدد دائما على أنها لا تعد طرفا في النزاع الأوكراني، صرح وزير الخارجية الصيني وانغ يي، خلال مكالمة هاتفية مع نظيره الهنغاري، بأن «الصين لا تعد طرفا في الأزمة الأوكرانية، لكننا لا ننوي أن نكون متفرجا غير مبال، ولا ننوي صب الزيت في النار. كنا ثابتين وداعين دائما إلى تشجيع السلام والمفاوضات».وأشار وانغ إلى أنه يجب على جميع الأطراف استخلاص العبر من الأزمة الأوكرانية، داعيا أيضا إلى بحث إنشاء هيكل متوازن وفعال وثابت للأمن الأوروبي من أجل تحقيق سلام دائم.