حرب أهلية مصغرة في جنوب شرق السودان
الجيش يتدخل بعد حرق «الهوسا» مقارّ حكومية في «النيل الأزرق»
وسط مخاوف من تطور النزاع القبلي في جنوب شرق السودان بإقليم النيل الأزرق الحدودي مع إثيوبيا وإريتريا إلى مواجهات شاملة تدخل فيها أطراف أخرى لديها صراع عرقي، هاجم أبناء قبيلة الهوسا، أمس، مقار حكومية وأسواقا ومحال تجارية في كسلا، وأشعلوا فيها النيران، احتجاجا على قتل قبيلة البرتا أفرادا منهم في مواجهات دامية أسفرت عن مقتل أكثر من 65 شخصاً وإصابة 108 من الطرفين، ونزوح نحو 2000 إلى الآن، واستدعت إصدار رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان قراراً بالتعامل الحازم لبسط الأمن وتشكيل لجنة تحقيق قضائية.وشملت أعمال العنف والشغب، حرق سيارات ودراجات نارية، ومكاتب التعليم، والغرفة التجارية، وديوان الضرائب، في حين تدخّل الجيش لبسط الأمن بالمدينة، بعد فشل الشرطة في تفريق المحتجين والسيطرة على الأوضاع، فيما أغلق الآلاف من «الهوسا» الطرقات الحيوية في الولاية.وأصدر والي كسلا، القريبة أيضاً من حدود إريتريا، قراراً بحظر وتقييد التجمهر بأحياء وأسواق محلية اعتبارا من أمس، لتفادي المزيد من الاقتتال القبَلي بولاية النيل الأزرق، ومنع تطور النزاع بين قبيلتي البرتا والهوسا إلى مواجهات شاملة إلى المناطق المجاورة، خاصة التي فيها امتدادات عرقية لطرفَي النزاع.
وبدأ التوتر في مناطق قيسان والروصيرص وود الماحي، بين الهوسا ومجموعة من القبائل بعد مقتل مزارع في منطقة اداسي التابعة لمحلية قيسان، في اليوم الأول لعيد الأضحى.وانتقل النزاع القبلي من أداسي إلى قنيص، التي قُتل فيها 13 تاجرًا، وأحرقت متاجر في السوق، كما انتقلت الاشتباكات إلى مناطق بكوري وأم درفا بولاية النيل الأزرق. وبرزت في الاقتتال روح القبلية في منطقة لم تشهد اشتباكات على هذه الخلفية إلا نادرا، ولم تعش الحرب الأهلية منذ عام 1986، حين وقعت اشتباكات بين متمردين مسلحين والحكومة المركزية.وفي وقت سابق، قرر مجلس الأمن والدفاع برئاسة البرهان، تعزيز القوات الأمنية بالنيل الأزرق، والتعامل الحازم والفوري مع حالات التفلّت والاعتداءات على الأفراد والممتلكات.بدوره، أصدر النائب العام، أحمد خليفة، ليل الأحد - الاثنين، قرارا بتشكيل لجنة للتحري والتحقيق في الأحداث بقيادة رئيس نيابة عامة وعضوية عدد من أعضاء القوات المسلحة والشرطة وجهاز الأمن والمخابرات الوطني والدعم السريع. وعبّرت القائمة بأعمال السفارة الأميركية في السودان، لوسي تاملين، عن قلقها الشديد بشأن النزاعات الطائفية في الولاية، مطالبة القبيلتين بـ «عدم السعي إلى الانتقام والانخراط في الحوار». ودعت في تغريدة، السلطات المحلية إلى «حماية المدنيين وتقديم الدعم الطبي العاجل للمحتاجين». ومنذ فضّ البرهان شراكته مع المدنيين في السلطة يوم 25 نوفمبر، يشهد السودان نوعاً من الفراغ الأمني، عززه إنهاء مهمة قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الإقليم، إثر توقيع اتفاق سلام بين الفصائل المسلحة والحكومة المركزية عام 2020، فضلاً عن اضطرابات سياسية واقتصادية، وخروج آلاف السودانيين بشكل منتظم في العاصمة، ومدن أخرى، للمطالبة بعودة الحكم المدني.وبعد اتفاق البرهان ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في نيروبي على حل الخلافات في 5 الجاري، أعلن مجلس الأمن والدفاع، أمس، إعادة فتح معبر القلابات الحدودي المغلق منذ اتهام الخرطوم لأديس ابابا بإعدام 7 جنود ومواطن كانوا أسرى لديها في 26 يونيو الماضي، مؤكداً أنه قرر تكثيف مراقبة الحدود الدولية ومنع حركة أي عناصر مسلحة بين البلدين، مع إحكام التنسيق بين الجانبين».