الوضع الأمني في شرق ماليزيا بعصر التهديدات المتزايدة
في السنوات القليلة الماضية، أصبحت التهديدات الإرهابية التي تواجهها مناطق شرق ماليزيا في جزيرة «بورنيو» مقلقة أكثر من أي وقت مضى، فمنذ عام 2021، يواجه سكان «المنطقة الأمنية بشرق ولاية صباح» قرارات متكررة بحظر التجول، وهي مستمرة حتى هذه السنة. كذلك، أعلن المسؤولون حديثاً أن الحظر سيستمر حتى الشهر الحالي. وكشفت السلطات أن حظر التجول مرتبط بالتهديدات الإرهابية المتواصلة، فضلاً عن محاولات الخطف والجرائم العابرة للحدود على يد جماعة «أبو سياف». وفق أحدث المعلومات الاستخبارية في مارس 2022، يبدو أن القائد الثاني في جماعة «أبو سياف» يسعى إلى إيجاد ملاذ آمن له في منطقة «صباح»، ما يزيد المخاوف من تجدّد نشاطات الجماعات المحلية الداعمة لجماعة «أبو سياف».لمعالجة التعقيدات الجغرافية والتركيبة السكانية المتنوعة في شرق ماليزيا، تبرز الحاجة إلى مقاربة متعددة الأوجه لتحسين الأمن الحدودي والتصدي لزيادة التهديدات الأمنية غير التقليدية في المنطقة، فقد تكبح القوة العسكرية وحدها جزءاً من تلك التهديدات، لكنها لا تستطيع منع جميع أنواع خرق الحدود. في مطلق الأحوال، لا تملك الميزانية الفدرالية الماليزية الإمكانات اللازمة لزيادة الإنفاق على الدفاع في منطقتَي «صباح» و»ساراواك» كما يوصي البعض.خصّصت ميزانية عام 2022 مثلاً 26.4 مليون رينغيت ماليزي (5.9 ملايين دولار) إلى «المنطقة الأمنية بشرق صباح»، وهي أقل من ميزانية 2021 التي بلغت 26.8 مليون رينغيت (6.1 ملايين دولار)، ودعا حاكم تلك المنطقة إلى زيادة الموارد، لكن يصعب على «بوتراجايا»، العاصمة الإدارية الجديدة لماليزيا، أن تُحقق رغباته، إذ تُخصَّص 75 مليار رينغيت فقط (16.9 مليارات دولار)، أي 22.6 في المئة من ميزانية عام 2022، لتسديد تكاليف التنمية، بينما يُخصَّص المبلغ المتبقي (233.5 مليار رينغيت أو 52.7 مليار دولار) لتكاليف التشغيل. لهذا السبب، يبدو هامش تطوير الدفاع ضئيلاً، لاسيما بعد أزمة كورونا، وبما أن الحكومة بدأت تفرض سياسة مالية توسعية لحقبة ما بعد الجائحة، من المستبعد أن تبقى زيادة الإنفاق الدفاعي على رأس الأولويات.
في ظل هذه الظروف، يجب أن تنشأ تسوية متعددة الخطوات، إذ يُفترض أن تفكر «بوتراجايا» بنقل مقر «وكالة إنفاذ البحرية الماليزية» و«البحرية الملكية الماليزية» من شبه جزيرة ماليزيا إلى منطقة «صباح»، لأن حجم التهديدات البحرية هناك يبقى أقل من المنطقة الأخرى. هذا ما يمنح العمليات الأمنية في شرق ماليزيا الموارد اللازمة من دون زيادة الالتزامات المالية. كذلك، يُفترض أن تسعى «بوتراجايا» إلى توسيع نطاق «وكالة إنفاذ البحرية الماليزية» داخل «المنطقة الأمنية بشرق صباح»، تزامناً مع تقليص نفوذ القوات المسلحة الماليزية، لأن الوكالة تُركّز على المسائل البحرية أصلاً. لتحسين الأمن الحدودي في شرق ماليزيا، يتعلق آخر جزء من الأحجية بتطبيق مقاربات أكثر تساهلاً، ويجب أن تستكشف الحكومة الماليزية أفضل الطرق لمعالجة جذور التهديدات الأمنية غير التقليدية الناشئة. ستكون المبادرات الشعبية في المناطق الحدودية ضرورية لترسيخ النزعة القومية اللازمة وتجاوز علاقات القرابة عبر الحدود، كذلك يجب أن تستعمل «بوتراجايا» شبكتها المؤلفة من لجان الأمن والتنمية القروية في المناطق الريفية لتوعية سكان القرى حول أهمية دورهم في حماية الأمن القومي وإعادة بناء الثقة بالحكومة الفدرالية.تقع أكبر المسؤوليات على «بوتراجايا» إذاً، فهي مُلزَمة بإعادة تقييم استراتيجيتها لترسيخ الأمن في شرق ماليزيا، ويُفترض أن تتعلم ماليزيا الدروس المريرة المستخلصة من التوغل في منطقة «لاهاد داتو» في عام 2013. لمنع تجدّد التهديدات، يجب أن يبذل المعنيون جهوداً متعددة الأبعاد لمعالجة التحديات الأمنية على حدود شرق ماليزيا. *كاريسما بوتيرا عبدالرحمن وفكري رحمن