اغتيال آبي يرسّخ سلطة رئيس الوزراء كيشيدا
صُدِمت اليابان باغتيال شينزو آبي، صاحب أطول عهد كرئيس وزراء ياباني، بعد تعرّضه لإطلاق النار في العاصمة القديمة «نارا»، في 8 يوليو. ثم تحوّل آبي فجأةً إلى بطلٍ ذي مصير مأساوي في اليابان وبقية دول العالم، واليابانيون يعتبرون هذا الاغتيال مدوياً بقدر ما كان اغتيال الرئيس جون ف. كينيدي صادماً للأميركيين.كان آبي وجهاً مألوفاً في نشرات الأخبار اليومية في اليابان منذ عقود، وهو رجل الدولة الأكثر قوة وشعبية في التاريخ الحديث.واجه آبي فضائح عدة محلياً، لكنه كان لاعباً مؤثراً على الساحة الدولية وصاحب رؤية استراتيجية ثاقبة، ولطالما تصرّف كمسؤول منفتح على الآخرين، باختصار، كان هذا الرجل سياسياً مرموقاً من النوع النادر في اليابان.
اليوم، يلوم الرأي العام الياباني الشرطة المحلية وجهاز الأمن القومي على تسهيل ارتكاب هذه الجريمة المشينة، فشلت هذه الأجهزة في حماية آبي من القاتل تيتسويا ياماغامي (41 عاماً).في الوقت نفسه، أدرك العالم بعد اغتيال آبي مدى هشاشة تدابير إدارة الأزمات في اليابان، لقد أحرجت الشرطة اليابانية، ولا سيما شرطة محافظة «نارا»، نفسها أمام المجتمع الدولي.قُتِل آبي خلال حدث انتخابي نُظّم في اللحظة الأخيرة، قبل يومين فقط على انتخابات مجلس الشيوخ في اليابان، في يوم التصويت في 10 يوليو، دعم الناخبون المتأثرون «الحزب الليبرالي الديموقراطي» بعد اغتيال آبي. وبحسب استطلاع رأي نشره «تلفزيون طوكيو» الأسبوع الماضي، اعترف 13 في المئة من الناخبين بأنهم غيّروا الحزب الذي صوتوا له بعد الاغتيال، واعتبرت وسائل الإعلام اليابانية هذه الانتخابات معركة حداد على آبي من جانب «الحزب الليبرالي الديموقراطي».بقي آبي صانع ملوك رغم تنحيه من رئاسة الحكومة قبل سنتين، وسيترك موته فراغاً كبيراً في قيادة «الحزب الليبرالي الديموقراطي». كان آبي يرأس أكبر تكتل تابع للحزب (يتألف من 94 مشرّعاً). في المقابل، تشكّل جماعة فوميو كيشيدا رابع أكبر تكتل، وهي تشمل 44 عضواً، ويرتفع احتمال أن يتفكك تكتل آبي بعد رحيل رئيس الوزراء الذي كان القوة الجامعة بين مختلف المسؤولين، ومن المتوقع أن يرسّخ كيشيدا سلطته من الآن فصاعداً، بعد رحيل آبي.انتُخِب كيشيدا وآبي معاً في انتخابات مجلس النواب عام 1993 للمرة الأولى، ما يعني أنهما مسؤولان معاصران وخصمان سياسيان قويان على القيادة الداخلية للحزب الليبرالي الديموقراطي.في منتصف يونيو الماضي، تطرقت وسائل إعلام يابانية، مثل صحيفة «سانكي شيمبون» المحافِظة، لأحدث خلاف بين كيشيدا وآبي. استبدل كيشيدا نائب وزير الدفاع، كازوهيسا شيمادا، بأتسوا سوزوكي الذي كان مفوض وكالة الاستحواذ والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية في وزارة الدفاع، وقد أصبح ذلك التعيين ساري المفعول في 1 يوليو، وقد صدر القرار المرتبط به مع أن وزير الدفاع نوبو كيشي، شقيق آبي الأصغر، كان طالب بإبقاء شيمادا في منصب إداري مرموق في الوزارة قبيل مراجعة مُخطَّط لها لوثائق مرتبطة بسياسة دفاعية يابانية أساسية، بما في ذلك استراتيجية الأمن القومي، مع اقتراب نهاية السنة.لكن رفض كيشيدا ذلك الطلب على اعتبار أن الحكومة تحصر ولاية نائب الوزير بمدة سنتين.ترك شيمادا منصب نائب الوزير في 1 يوليو، لكن كيشي عيّنه مستشاراً خاصاً للوزير والوزارة ككل خلال اليوم نفسه.لهذا السبب، يُركّز الخبراء السياسيون اليابانيون على احتمال أن يستبدل كيشيدا كيشي خلال التعديل الوزاري المقبل، حتى أنه قد يستبدل مسؤولة الشؤون السياسية في «الحزب الليبرالي الديموقراطي»، سانا تاكايشي، وهي من أقرب مساعدي آبي، خلال التعيينات التنفيذية في الحزب. من المتوقع أن تتم التعديلات في الحكومة و«الحزب الليبرالي الديموقراطي» خلال هذا الصيف بشكلٍ متزامن، وإذا قرر كيشيدا إقالة كيشي وتاكايشي، يعني ذلك أن رئيس الوزراء نجح في ترسيخ سلطته.اليوم يملك الائتلاف الحاكم، بما في ذلك «الحزب الليبرالي الديموقراطي» الذي يقوده كيشيدا، أكثر من ثلثَي المقاعد في البرلمان، وهو عدد كافٍ لتأييد تعديل الدستور. كان آبي يحلم بتعديل الدستور منذ وقتٍ طويل، وقد يرغب عدد كبير من أعضاء «الحزب الليبرالي» في تحقيق حلمه تكريماً لذكراه.أخيراً، من المستبعد أن تشهد اليابان أي انتخابات وطنية خلال السنوات الثلاث المقبلة. إنها «السنوات الذهبية» للأحزاب الحاكمة، ما يعني أنها تستطيع القيام بما تريده في هذه الفترة.*كوسوكي تاكاهاشي