اقترحت في الجزء الأول من سلسلة المقالات استبدال رؤية الكويت 2035، بـ«رؤية الكويت بلا نفط»، للتذكير والاستعداد لتلك الفترة.وفي الجزء الثاني، كان التركيز على كيفية النهوض بالتعليم باعتباره أهم عناصر الإعداد للرؤية. واليوم أتحدث عن عنصر إضافي لا يقلّ أهمية عن التعليم، سيساهم في المحافظة على مستوى المعيشة، ويمكنه أن ينتشلنا من حالة الإدمان على النفط، إنه القطاع الخاص الحقيقي المُهمَل.
لو نظرنا إلى الدول الأكثر تقدّماً في العالم، وهي 38 دولة ممثلة بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، سنجد أن القطاع الخاص فيها يحتضن 80 بالمئة من القوى العاملة. ونظرنا إلى الصين التي كان القطاع العام فيها يعاني تدني مستوى الكفاءة والإنتاج عام 1989 حين كان يحتكر 78 بالمئة من إجمالي القوى العاملة، سنرى أنها تمكنت بعد فتح مجالات العمل والاستثمار للقطاع الخاص من تخفيض العمالة في القطاع العام إلى 33 بالمئة خلال أربعة عشر عاماً، بعد تحسّن في مستوى المعيشة لـ 800 مليون مواطن.يمكننا القول إن أكثر من ثلثي القوى العاملة في العالم من القطاع الخاص، ودور الحكومات الناجحة في معظم دول العالم هو التنظيم والرقابة، لكن حين قال وزير التجارة في حكومتنا، في تصريح حديث، إن «كل الأمور يجب أن تكون بيد القطاع الخاص، وكل شيء متاح للخصخصة، لأن دور الحكومة هو التنظيم والرقابة»، علّق عليه مغرّد يحذّر متابعيه «اصحوا يا أمة، دافعوا عن حلالكم قبل بيع كل الكويت بحجة الخصخصة، بطاركة الفساد سوف يتقاسمون لحم الكويت الحي».
وعند سؤاله، مَن هم القطاع الخاص في نظره؟ كانت الإجابة السريعة: إنهم الحرامية.أما الكاتبة المرموقة سعاد المعجل، فقد علّقت على التصريح محذّرة من نتائج سلبية للخصخصة، كالتي حصلت في روسيا، وسمحت لمجموعة صغيرة من رجال الأعمال بالاستحواذ على ثروة كبيرة.الواضح أن مصطلح «القطاع الخاص»، أصبح بالنسبة إلى عدد كبير من المواطنين يعني مجموعة صغيرة من رجال الأعمال، و»الخصخصة» تعني بيع الأصول لتلك المجموعة من التجار «الجشعين» الذين لا يملكون القدرة على تشغيل 15 بالمئة من العمالة الوطنية، لذلك يعارض هؤلاء المواطنين أي مبادرة لدعم «القطاع الخاص» وأي اقتراح «للخصخصة»، مفضّلين احتكار الدولة على احتكار التجار، لبقاء الأصول بيد الحكومة، رغم سوء الإدارة والهدر والفساد، لأنها على الأقل تتحمل رواتب 85 بالمئة من العمالة الوطنية، وتوزع المنح من حين لآخر ولا تحاسبهم على العمل والإنجاز. لا بدّ من تصحيح مفهوم القطاع الخاص، والخصخصة في نظر المواطنين. إننا نظلم القطاع الخاص لو اعتبرناه مجرد مجموعة صغيرة من رجال العمال. الكويت بحاجة إلى قطاع خاص قوي يسهم في تنمية البلد وتشغيل مواطنيها، ولكن ذلك يتطلب بعض التنازلات الحكومية. تمنيت لو تضمّن تصريح الوزير توضيح أن القطاع الخاص المقصود هو كل من يبحث عن فرصة لبدء نشاط جديد أو تنمية نشاط قائم، أو على استعداد لأن يبذل الجهد لتطوير فكرة أو مشروع بهدف تحسين مستواه المعيشي. مَن يعتبر نفسه من هؤلاء هم أفراد يطمحون للعمل الحر لضمان العيش الكريم، ولا يعتمدون على اسم عائلة أو قبيلة أو حزب، ولا على شهادة جامعية أو جنسية. القطاع الخاص حُر بطبيعته، لا يشكّل أي عبء إضافي على الدولة، لأنّه مرن ينمو معها وينكمش حسب الفرص المتاحة، يكره القرارات السريعة الارتجالية، لكن بإمكانه أن يتكيف معها ويزدهر عند ثباتها واستقرارها. البحث عن فرص جديدة لا يتوقف مهما احتدت المنافسة، ومساهمته أساسية لمحاربة الاحتكار والربح الفاحش، يمكنه لو سُمح له أن يكون أكثر فعالية من وزارة التجارة في المحافظة على الأسعار التنافسية للسلع، وأكثر فعالية من وزارة الصحة للمحافظة على أسعار الأدوية. رؤية الكويت بلا نفط بحاجة ماسة إلى من يميلون بطبيعتهم للتجربة والمجازفة، لينجح من ينجح ويفشل من يفشل فيتعلم، لا يرجون من الدولة سوى فتح مجالات المنافسة الحرة.هذا هو القطاع الخاص الحقيقي الذي تحتاج إليه الكويت، جزء كبير منه يتمنى من الحكومة أن تسمح له بالاستفادة من وقته في عمل آخر، بدلاً من أن تحتكر قدراته بوظيفة من دون عمل، فتدعم الكسل والبطالة المقنّعة التي قد تدفعه إلى تعاطي المخدرات التي نشهد جرائمها بكثرة، وجزء آخر بحاجة إلى حماية من مسؤولين يستغلون مراكزهم لمصالح شخصية، منتشرين في كل وزارات ومؤسسات الدولة. إنهم قطاع خاص متنكر بزيّ الوظيفة الحكومية، يساهمون بأسماء مستعارة في المشاريع والمشتريات التي ضمن مسؤولياتهم، ويحاربون منافسيهم بسلاح المصلحة العامة، لتبقى رسوم الخدمات رمزية، فيمنحوها أو يحجبوها بمزاجهم، ويحتكرون أراضي الدولة المتوافرة لترتفع أسعار أراضيهم، ولا يرتاح هؤلاء إن لم تتراكم طوابير المراجعين عند أبوابهم ليختاروا مَن يحق له تجاوزها. الخلاصة:رؤية الكويت بلا نفط نابعة من المرسوم الأميري رقم 106 لعام 1976، الذي أوصى بتأمين مستقبل الأجيال القادمة، وحذّر من أن النفط مادة ناضبة، وهذا ما جعل الرؤية ضرورية للتوعية والاستعداد بمحورين أساسيين؛ الأول النهوض التدريجي بالتعليم بمساهمة مؤسسات متخصصة، والثاني لفتح المجال لقطاع خاص حقيقي حجمه يتجاوز مجموعة صغيرة من رجال الأعمال، ليتمكن من خلق فرص عمل تخفف من أعباء الدولة، وتجعل المواطن أكثر إنتاجية وسعادة.