كان العالم أجمع، ومازال، في صراع جبابرة على مصادر الطاقة وبالأخص الطاقة ذات الكفاءة العالية والنظيفة، ورغم أن المشاكل البيئية ناجمة عن انبعاثات خطيرة غير مرغوب بها من مصادر للوقود الأحفوري، فإن الواقع يقول إن العالم أجمع سيظل يعتمد على مصادر هذا الوقود في السنوات القادمة رغم انخفاض قيمة أصوله وبنيته التحتية بسبب عدد من الأسباب، لعل أبرزها دخول الوقود البديل والطاقة النظيفة في الحسبان، كما أسلفت في مقال سابق (اقرأ مقالي عن الاغتراب البيئي... العرض والطلب على الوقود). ولعله من المفيد أيضاً أن ينتبه المرء إلى مسألة جد ضرورية هي أن الوقود الأحفوري سيشكل جل العناصر في سلة الطاقة بالمستقبل القريب وبنسبة تفوق الـ 70 في المئة بحسب عدد من الدراسات الفنية، إلا أن نسب الطاقة النظيفة في تزايد مستمر، وذلك رغم التحديات السياسية والنزاعات المسلحة التي تجسدت على شكل الحرب الروسية- الأوكرانية مؤخرا. فما زال العالم يبحث عن الطاقة المستدامة البديلة والنظيفة بيئيا، بل أصبح لزاماً على العالم إذا ما أراد الالتزام بالتوصيات المتعلقة بالانبعاثات الخاصة بالغازات الدفيئة أن يبدأ في تقنين استخدامات الطاقة من الوقود الأحفوري والتخلص من معدل النصف منها على الأقل ذات الانبعاثات الضارة، خصوصا بعد المؤتمر الأممي السادس والعشرين الأخير COPE-26 المخصص للتغير المناخي، والذي جدد وصادق على الالتزامات للتخلص من الفحم كمصدر للطاقة، وكذلك الوصول إلى معدل الصفر للانبعاثات الكربونية بحلول عام 2050.
وكما أسلفت أعلاه فإن العالم يعتمد حالياً على الوقود الأحفوري، والذي يتسبب مباشرة في أرقام مهولة من الانبعاثات الضارة تقدر بـ 31.5 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون. ولعل كل تلك الأسباب تشكل دوافع مهمة للاستثمار في العامل البشري والتقني للمستقبل القريب الذي سيتضمن حتماً الطاقة من مصادر متعددة بنسب أعلى من الوقت الحالي كالطاقة الشمسية، وطاقة الرياح وتدفق المياه. ولكن الهيدروجين، كان ومازال، هو المطمع الأول والأخير كمصدر طاقة أو نتاج عدد من العمليات التي تنتجها كذلك، فهو المشغل الرئيسي لمحطات ومصافي التكرير وحامل للطاقة وسهل التخزين نسبيا في خلايا الطاقة للاستخدامات البيئية النظيفة ذات العمليات صفرية الكربون دون أي انبعاثات ضارة. أما عن الألوان المختلفة للهيدروجين فإنها تمنح له بحسب طرق انتاجه، فالأكثر شيوعا في أوساط البحث العلمي والأكاديميين هذه الأيام هو المسمى «الهيدروجين الأخضر» والذي يرمز ويشير إلى الهيدروجين المنتج من عمليات الانحلال بواسطة الكهرباء الناجمة من مصادر نظيفة وبنسب تفوق 99.9 في المئة نقاوة، كذلك للاستخدام المباشر في العمليات الصناعية. يتم كسر الروابط بين الأكسجين والهيدروجين في جزيئات الماء باستخدام الكهرباء، وعليه تنجم عناصر كيميائية غير ضارة للبيئة، وبكفاءة يتم تطويرها عملياً باستمرار، بحيث تفوق الـ 70 في المئة، وهو الأمر الذي أصبح اعتياديا في العديد من تلك العمليات. وكان العالم الأول وبالأخص في أوروبا قد تفطن إلى أن الاستثمار في هذا المجال هو المستقبل وحقا فإن سوق الهيدروجين بأنواعه هو الأصل هذه الأيام في التعامل الفني الهندسي، وكذلك هو مقياس تطور الأمم، فالاتحاد الأوروبي وضع البنية التحتية والخطة المحكمة لإنتاج مليون طن من الهيدروجين الأخضر باستخدام معدات انحلال كهربائي بسعة 6 غيغا واط قبيل حلول عام 2024، والتوسع في الإنتاج إلى 40 طناً من الهيدروجين الأخضر قبيل عام 2030. أما على الصعيد الإقليمي فإن دولة قطر العزيزة أصبحت في سباق مع الصين وبريطانيا بمجال وضع الاستثمارات، واليقظة إلى أن الهيدروجين وبالأخص الأخضر هو من أساسيات الصناعة النظيفة بالمستقبل القريب، كما أزيد أننا هنا في الكويت مازالت أفكار الهيدروجين لدينا حبيسة الاستراتيجيات والأدراج في جميع الجهات المعنية، وهذا الأمر يوجب التدخل السريع من المعنيين لأسباب عديدة، لعل ابرزها رفع كفاءة انتاج كل ما هو نظيف ومطابق للمواصفة بيئيا.على الهامش: نفتقر إلى العمل السياسي «الاحترافي» والوطني الخالص دون تكسبات أو تربحات، ومع الأسف لا توجد آليات عمل ملموسة للمستقبل القريب، في وقت يتوجه البعض إلى حشد قواعده على أمل الوصول للكرسي الأخضر (وليس الهيدروجين الأخضر). لا تبنى الأوطان هكذا، ولا يمكن أن يتم الإصلاح من داخل البرلمان في جو فوضوي كهذا دون آليات عمل حقيقية وضمانات مستقبلية.
مقالات
عن الاغتراب البيئي... الهيدروجين الأخضر
21-07-2022