وسط المخاوف من تفاقم أزمة المناخ في العالم، حاصرت موجة الحر غير المسبوقة معظم القارة الأوروبية وبلغت درجاتها مستويات قياسية خصوصاً في فرنسا وبريطانيا وإسبانيا واليونان وإسبانيا والبرتغال وامتدت إلى الولايات المتحدة، وتسببت في انتشار الحرائق الهائلة في كل مكان وبينها المناطق المأهولة بالسكان.

ولا تزال أوروبا أسيرة موجة حرارة شديدة بلغت درجاتها مستويات قياسية تخللها انتشار حرائق هائلة في جنوبها، وسقوط مئات الضحايا، في حين أعلنت واشنطن أنها تراقب الوضع عن كثب نظراً لتأثير هذه الموجة على أكثر من 120 مليوناً من مواطنيها.

Ad

ووفق العلماء، فإن هذه الموجة الحارة تتماشى مع تغير المناخ وارتفعت فيها درجات الحرارة إلى ما يزيد على 40 درجة مئوية في بعض المناطق مع اندلاع حرائق غابات في مناطق ريفية جافة بالبرتغال وإسبانيا وفرنسا، وأتت كذلك على أجزاء من جنوب أوروبا وشمال أفريقيا، مما أسفر عن مقتل المئات وأجبر الألوف على إخلاء منازلهم، كما أدى إلى حدوث تلوث وانبعاث غازات الاحتباس الحراري الضارة بالصحة.

وفي وقت عكفت بريطانيا على إحصاء خسائر أشد أيامها حرارة على الإطلاق، اندلع حريق غابات أججته رياح عاتية في الجبال بالقرب من أثينا، أمس، مما أجبر المئات بمن فيهم مرضى المستشفيات على الإخلاء.

وغطت سحب كثيفة من الدخان السماء فوق جبل بينتيلي على بعد نحو 27 كيلومترا شمال أثينا، حيث يحاول نحو 500 من رجال الإطفاء و120 عربة إطفاء و15 طائرة محملة بالمياه إخماد الحريق.

وأفادت تقارير عن احتمال تسجيل درجات حرارة قياسية في جنوب وغرب ألمانيا وبلجيكا أيضاً مع توجه الموجة الحارة، التي يعزوها العلماء إلى تغير المناخ.

وفي ألمانيا، أكدت سلطات الملاحة أمس، أن الطقس تسبب في إحداث فوضى بشبكات النقل، موضحة أن منسوب المياه على نهر الراين انخفض بشكل كبير. مما أجبر سفن الشحن على الإبحار بأحمال أقل وعرقل عبور النهر بأكمله جنوبي دويسبورغ.

حرارة قياسية

وغداة استيقاظ البريطانيين على تداعيات اليوم الأكثر حراً في تاريخها، عمل رجال الإطفاء في بريطانيا طوال الليل من أجل السيطرة على 10 حرائق على الأقل حول لندن، وسارع المهندسون أمس لإصلاح قضبان القطارات، التي ألغت رحلاتها من العاصمة حتى الساحل الشرقي، بعدما أدى حريق نشب بالقرب من مدينة بيتربرو، إلى إتلاف معدات الإشارات. كما أسفرت حرائق أخرى في شبكة القطارات عن الإضرار بالقضبان والأسلاك العلوية.

وأعلنت السلطات البريطانية، التي يمكن أن تواجه صعوبات في الحفاظ على خدمات النقل الرئيسية في الطقس غير المتوقع مثل تساقط الثلوج بكثافة أو الرياح الشديدة، حالة «طوارئ وطنية» بسبب ارتفاع درجات الحرارة بشكل لم يسبق له مثيل.

وقال وزير النقل غرانت شابس إن الأمر سيستغرق سنوات عدة قبل أن تتمكن بريطانيا من تحديث بنيتها التحتية بالكامل للتعامل مع درجات الحرارة المرتفعة، بعد أن ظهرت علامات الأضرار على مدرجين على الأقل والتواء بعض قضبان القطارات.

وأضاف: «نرى قدراً كبيراً من الاضطرابات في السفر. البنية التحتية، التي يعود الكثير منها إلى العصر الفيكتوري، لم تكن مبنية لتحمل هذا النوع من درجات الحرارة».

واندلعت العشرات من الحرائق في مناطق مختلفة من إنكلترا وويلز، جراء درجات الحرارة القياسية، فيما تفيد تقارير حول الطقس أن درجات الحرارة قد تنخفض بصورة طفيفة اليوم.

ووصف عمدة لندن صادق خان الوضع بـ»الحرج»، داعياً الناس ليبقوا آمنين، لافتاً إلى أن عناصر الإطفاء يعملون تحت ضغط كبير.

فرنسا وإسبانيا

وفي ظل توقعات بأن تتراوح الحرارة في الساحل الغربي ما بين 40 و42 درجة مئوية، انشغل 2000 رجل إطفاء مدعومين بثماني طائرات في فرنسا لاحتواء حرائق غابات هائلة في الجنوب والغرب، وشهدت منطقة جيروند، التي تنتشر فيها زراعة العنب، أكبر حرائق غابات منذ أكثر من 30 عاماً، وقالت السلطات، إن رجلاً اعتُقل للاشتباه في أنه أشعل حريقاً عمداً.

وتنتشر الحرائق على مساحة 19300 هكتار في المناطق الريفية المحيطة ببوردو منذ 12 يوليو ما أجبر 34 ألف نسمة على إخلاء منازلهم. وقالت سلطات المنطقة «على الرغم من المكافحة براً وجواً، لم يستقر الوضع بعد».

أسوأ عام

وفي إسبانيا، تسببت موجة الحر بوفاة أكثر من 510 أشخاص واحترق أكثر من 173 ألف فدان في أسوأ عام شهدته خلال 10 سنوات، بحسب البيانات الرسمية، التي أوضحت أنه في الشهر الماضي دمر حريق هائل في سييرا دي لا كوليبرا وقشتالة وليون نحو 30 ألف هكتار.

وفي البرتغال، حذر معهد الأرصاد من أن خطر حرائق الغابات ما زال مرتفعاً جداً. وقالت السلطات إن أكثر من ألف رجل إطفاء، تدعمهم 285 مركبة و14 طائرة، يكافحون 9 الحرائق المستمرة لا سيما في الشمال.

ورغم الجهودالمستمرة منذ أسابيع بمساندة الطائرات والمروحيات، توسعت الحرائق على عدة جبهات في إيطاليا بسبب الرياح القوية، وتم نقل 500 شخص من سكان منطقة ماساروسا في توسكانا إلى أماكن آمنة وفرض أعلى حالة تأهب في مناطق بجزيرتي صقلية وسردينيا.

وقال حاكم توسكانا أوجينيو جياني، في تغريدة، إن بعض أنابيب الغاز انفجرت بعدما أحاطت بها النيران، مرجعاً سبب حرائق الغابات والأحراش في أنحاء أيطاليا إلى الاهمال أو الحرق عن عمد، بعد ذلك الطقس الجاف والرياح.

كما عانت سويسرا من آثار الموجة الحارة. وأعلنت شركة «أكسبو»، التي تدير محطة بيزناو النووية الاثنين، إنها اضطرت إلى خفض الإنتاج حتى لا تتسبب في ارتفاع درجة حرارة نهر آر الذي تستمد منه مياه التبريد.

واشنطن تراقب

بدورها، أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيار، أن واشنطن «تراقب عن كثب» موجة الحرارة التي تجتاح أجزاء من أوروبا وتداعياتها على الداخل الأميركي حيث تؤثر على أكثر من 120 مليون مواطن.

وحذرت المتحدثة من أن «تأثيرات الطقس الشديد تتزايد في جميع أنحاء العالم بما في ذلك الولايات المتحدة ولا أحد محصن ضد تغير المناخ».

وقالت: «لهذا السبب فقد ظل الرئيس جو بايدن يحشد العالم لاتخاذ الإجراءات الحاسمة اللازمة في هذا العقد للتعامل مع أزمة المناخ»، مبينة أنه «ملتزم باتخاذ إجراءات صارمة لمواجهة تغير المناخ».

وتجتاح موجة شديدة الحرارة أنحاء الولايات المتحدة امتداداً من ولاية كاليفورنيا على الساحل الغربي وحتى ماساتشوستس شمال شرق، وسط تحذيرات هيئة الأرصاد من استمرار ارتفاع الحرارة بشكل كبير، متوقعة تسجيل 60 رقماً قياسياً جديداً في 20 ولاية نهاية الأسبوع.