وباء الكراهية يستفحل في الولايات المتحدة
حان الوقت كي تزوّد المجتمعات الناس بالأدوات اللازمة لرصد الحملات الدعائية والمعلومات الكاذبة ورفضها، ويمكن تحقيق هذا الهدف عبر مقاربة «تحصين المواقف» أو التعاون مع الأهالي، والمعلّمين، وخبراء الصحة النفسية، والمدربين، وأي شخص في موقع المسؤولية، وإلا فلا مفر من توسّع مظاهر التطرف العنيف محلياً وتعريض حياة المزيد من الناس للخطر.
كان مقتل سبعة مشاركين في احتفالات عيد الاستقلال الأميركي، في 4 يوليو، في «هايلاند بارك»، إلينوي، حدثاً مريعاً لكنه متوقع جداً، خلال العقد الماضي، تكررت حوادث القتل الجماعي في أنحاء الولايات المتحدة. وفي عام 2012، قتل مطلق النار سبعة مصلّين من السيخ في «أوك كريك»، ويسكونسن، وفي عام 2015، قتل معتد آخر تسعة أشخاص سود في إحدى كنائس «تشارلستون»، ساوث كارولينا، ثم قتل رجل 23 متسوقاً في «وول مارت» في عام 2019، في «إلباسو»، تكساس، وفي 24 مايو من هذه السنة، قتل معتدٍ آخر 21 شخصاً في «أوفالد»، تكساس.لا تحمل هذه الفصول مواصفات موحّدة، لكن يتقاسم المعتدون في الفترة الأخيرة مجموعة متشابهة من الخصائص السامة، فهم يحملون تاريخاً من الخيالات القاتلة، ويرفضون المبادئ بطريقة عنيفة، ويميلون إلى إيذاء أنفسهم، وتراودهم أفكار انتحارية، ويعزلون أنفسهم عن الأصدقاء وأفراد العائلة، ويعبّرون عن وحشيتهم عبر تعذيب الحيوانات أو قتلها وملاحقة النساء أو التحرش بهنّ، والتهديد بالاغتصاب أو التسبب بأضرار جسدية أخرى. يكون جزء كبير من المعتدين إرهابيين محليين يحاولون قتل الأقليات، لكن بغض النظر عن العامل الأيديولوجي، يتقاسم المعتدون أيضاً نقطة مشتركة أخرى؛ فهم يتأثرون بمحتويات عنيفة على الإنترنت. تتعدد الحوادث الإرهابية الحديثة التي استهدفت اليهود، والمسلمين، واللاتينيين، وأخيراً أصحاب البشرة السوداء، انطلاقاً من نظريات المؤامرة المعادية لهذه الفئات، وتحتفل الجماعات المؤيدة لتفوّق البيض على الإنترنت بهذه الاعتداءات بعد وقوعها وتعتبرها أعمالاً بطولية وتؤجج بذلك أعمال العنف.
ولمنع الإرهاب المحلي والاعتداءات الجماعية، يجب ألا يكتفي صانعو السياسة الأميركية بردع أفراد خطيرين بل يجب أن يركزوا أيضاً على التصدي للشبكات التي ينشطون فيها على الإنترنت، وبدل الانشغال بالرد على مظاهر التطرف قبل الهجوم مباشرةً، يُفترض أن تسعى الحكومة إلى منع الأفراد من المشاركة في نشر خطابات الكراهية والأذى على الإنترنت منذ البداية.يدرك صانعو السياسة الأميركية أن المقاربات المعتمدة اليوم لم تنجح في كبح التطرف المحلي، وهم يعملون على مواكبة التطورات الأخيرة. في يونيو 2021، أصدرت إدارة بايدن أول استراتيجية وطنية على الإطلاق للتصدي للإرهاب المحلي، وأعادت وزارة الأمن الداخلي تنظيم جهود الوقاية من الإرهاب عبر فتح مكاتب محلية في أنحاء البلد، وبعد أسبوع من حادثة إطلاق النار في بوفالو، أمرت حاكمة ولاية نيويورك، كاثي هوشول، بإجراء مراجعة شاملة للإجراءات الحكومية المرتبطة بمعالجة التطرف العنيف وأطلقت المسار اللازم لإصلاحها. أدى هذا التخبّط في الرد على مظاهر التطرف المحلية إلى إطلاق مبادرات وأدوات جديدة ومفيدة، في وقت تملك الحكومة الأميركية والوكالات المحلية الموازية لها في الولايات أنظمة أفضل لتحضير التقارير اليوم، مقارنةً بالسنوات القليلة الماضية، فقد أنشأت هوشول مثلاً وحدة مخصصة لمنع الإرهاب المحلي على مستوى الولاية التي تحكمها، لكن هذه التدابير تبقى ناقصة رغم أهميتها، ولوضع حدّ للإرهاب وفصول أخرى من العنف الجماعي، يجب أن يعالج صانعو السياسة منشورات الكراهية في الوسائل الرقمية بحد ذاتها.قد تبدو هذه المهمة شاقة نظراً إلى قوة التدابير التي تحمي حرية التعبير في الولايات المتحدة، لكن لا يتطلب الحد من المحتويات المتطرفة شكلاً من الرقابة، فبعد إجراء أبحاث مكثفة في مجال الصحة العامة طوال عقود، تبيّن أن الناس قد يطوّرون درجة من المقاومة ضد أبسط محاولات الإقناع عبر ما يُسمّى «تحصين المواقف»، ما يساعدهم على بناء مقاومة عقلية ضد الرسائل الخطيرة عبر مراجعة كمية صغيرة من المواد الضارة، إلى جانب تفسير واضح لطريقة تأثيرها على آراء الناس. يعطي «تحصين المواقف» مفعوله لأن الناس لا يحبون التعرّض للتلاعب، نتيجةً لذلك، يرفض الأفراد محاولات أي طرف آخر حين يعرفون أنه يحاول استمالتهم.في آخر سنتين، اكتشف مختبر الأبحاث الذي أديره أن هذه المقاربة يمكن تطبيقها مع حملات التضليل على الإنترنت. بالشراكة مع وحدة Jigsaw التابعة لشركة «غوغل» والمتخصصة بتحسين سلامة الإنترنت، عرض فريقنا على المشاركين في التجربة فيديوهات تفضح مجموعة متنوعة من نظريات المؤامرة والحملات الدعائية مسبقاً، لوحظ في هذه الدراسة أن المشاركين أصبحوا أقل ميلاً إلى دعم الرسائل التي يتلقونها حين شاهدوا فيديو «التحصين» حول الحملة الدعائية التي تدعم تفوّق أصحاب البشرة البيضاء، مقارنةً بمن لم يشاهدوا تلك الفيديوهات.لاحظ المشاركون أيضاً أن مصدر الحملة الدعائية يفتقر إلى المصداقية، لذا تراجع استعدادهم لتقديم أي دعم مالي أو أيديولوجي أو لوجستي للمتطرفين العنيفين. كذلك، أصبح مشاهدو فيديوهات «التحصين» حول الحملة الدعائية المعادية للقاحات أقل ميلاً إلى دعم حملات التضليل ضد اللقاح أو نشر معلومات خاطئة عنه مقارنةً بالمجموعات المرجعية، حتى أنهم باتوا أكثر استعداداً لتلقي لقاح كورونا. تكشف دراساتنا أن فيديوهات «التحصين» تقتصر على 30 ثانية (أي ما يساوي مدة الإعلان التجاري) تسمح بالتصدي للحملات الدعائية المسيئة على الإنترنت، لكن مقاربة «تحصين المواقف» لا تستطيع أن تضع حداً للتطرف، رغم منافعها الواضحة، فـ «التحصين» يعتبر إذاً مجرّد جزء بسيط من جهود شاملة يُفترض أن تهدف إلى معالجة مساوئ الإنترنت. لتلقين المبادئ الصحيحة حول مسائل مثل العرق والنوع الاجتماعي، يجب أن تُعلّم المدارس طلابها أسباب الكراهية والتمييز العنصري حين تسنح لها الفرصة. ويجب أن يوسّع صانعو السياسة جهودهم التعليمية بطرقٍ أخرى إذا أرادوا تجنب التطرف العنيف وحوادث القتل الجماعي. أخيراً، يجب أن تبحث الحكومات والشركات والمجتمعات عن الطرق المناسبة لمنع تداول منشورات الكراهية على الإنترنت. وقد حان الوقت كي تزوّد المجتمعات الناس بالأدوات اللازمة لرصد الحملات الدعائية والمعلومات الكاذبة ورفضها، ويمكن ذلك عبر مقاربة «تحصين المواقف» أو التعاون مع الأهالي، والمعلّمين، وخبراء الصحة النفسية، والمدربين، وأي شخص في موقع المسؤولية، وإلا فلا مفر من توسّع مظاهر التطرف العنيف محلياً.
تحصين الأطفال ضد تضليل الإنترنت
تذكر الكاتبة الأميركية د. سينثيا إدريس أن فريقاً من طلاب مختبرها فاز حديثاً بمسابقة جامعية نظّمتها وزارة الأمن الداخلي وتهدف إلى وقف الاعتداءات عبر تحضير فيديو على شكل رسوم متحركة حول حملات التضليل، فضلاً عن خطط خاصة بطلاب المدرسة الابتدائية. تقع أحداث الفيديو في مدرسة مليئة بحيوانات ذات شكل بشري، وهي تعرض قصة طالب جديد: إنه بط اسمه «دانيال» تستبعده حيوانات أخرى بعد تأثّرها بحملة تضليل عبر الإنترنت مفادها أن البط حيوان غبي، من خلال الامتناع عن استعمال البشر مباشرةً، يتعلم الأولاد من خلال هذا الفيديو أن يتعاطفوا مع كل كائن مختلف عنهم ومن دون ترسيخ أفكار نمطية سلبية عن أحد.
* سينثيا ميلر إدريسForeign Affairs
بغض النظر عن العامل الأيديولوجي يتقاسم المعتدون المتطرفون نقطة مشتركة وهي تأثرهم بمحتويات عنيفة على الإنترنت
تتعدد الحوادث الإرهابية الحديثة التي تستهدف المسلمين واليهود واللاتينيين وأصحاب البشرة السوداء في الولايات المتحدة انطلاقاً من نظريات المؤامرة المعادية لهذه الفئات
تتعدد الحوادث الإرهابية الحديثة التي تستهدف المسلمين واليهود واللاتينيين وأصحاب البشرة السوداء في الولايات المتحدة انطلاقاً من نظريات المؤامرة المعادية لهذه الفئات