تطوير القطاع الزراعي أمرٌ حيويٌّ لأي بلد لعدة أسباب، مثل الأمن الغذائي، والحد من التحول الحضري، وحماية البيئة؛ حيث يحظى بأهمية خاصة في اقتصادات الدول التي تعتمد على الموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي، التي تحرص على تنويع قطاعاتها الاقتصادية غير القائمة على الموارد للحفاظ على التنمية المستدامة على المدى الطويل.

وعلى خلاف ما يحدث في البلدان الأخرى، تتكيف الزراعة في المناطق الصحراوية مع الظروف المناخية القاسية، مثل درجات الحرارة المرتفعة والإشعاع الشمسي الوفير جدًا في أوقات النهار، والانخفاض المفاجئ في درجات الحرارة ليلًا، والمعدل السنوي المنخفض جدًا لهطول الأمطار، إلى جانب توافر مساحة محدودة جدًا من الأراضي الصالحة للزراعة.

Ad

ويصعّب ذلك للغاية من إمكانية زراعة المحاصيل دون الحصول على دعم حكومي كبير. وقد ساهمت وفرة النفط وارتفاع إيرادات تصديره بدول مجلس التعاون في توفير عائدات كبيرة ساعدت في عملية التنمية لجميع قطاعات الاقتصاد إلى حد كبير.

ومع ذلك، فإن الطبيعة المتقلبة لأسعار النفط، إلى جانب إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي في أعقاب جائحة كوفيد - 19، والحرب الدائرة حاليًا في أوكرانيا، خامس أكبر دولة مصدّرة للقمح في العالم، أدت إلى فرض تحديات جديدة على اقتصادات الدول المصدرة للنفط، حيث تبحث هذه البلدان عن مصادر إمدادات بديلة، بينما تعمل في الوقت نفسه على زيادة احتياطياتها الأجنبية.

وسوف تصعّب هذه الأسباب، إلى جانب الإصلاحات المحلية لأسعار الطاقة، من إمكانية دعم التنمية الزراعية. وفي ضوء ذلك، تبرز أهمية مسألة تقييم تأثير زيادة أسعار الطاقة على قطاع الزراعة باعتبارها أحد الخيارات المطروحة لتحقيق الاستدامة في هذا القطاع. وقد يساعد هذا الأمر الدول على تنفيذ خطط أفضل لإصلاح أسعار الطاقة وتطوير القطاع الزراعي.

ويجب أن تكون إدارة الطلب على المياه والطاقة، باستخدام مقاييس الأسعار مثل أسعار الكهرباء، سياسة أساسية في القطاع الزراعي، لأنها تساعد في إحداث تغييرات كبيرة في استخدام الموارد وتوزيعها. ويُعدُ الرفع التدريجي لحوافز دعم الطاقة عبر تحديد أسعار كهرباء أعلى تدريجيًا أمرًا معقولاً للغاية ويُنصح به. وسوف تسمح هذه السياسة بانتقال القطاع الزراعي بسلاسة لاستيعاب التغييرات الجديدة المتعلقة بزيادة أسعار الكهرباء بأقل قدر ممكن من الارتباك.

وسيؤدي إصلاح أسعار الكهرباء في القطاع الزراعي إلى توفير إيرادات إضافية للحكومة. ويمكن تخصيص هذه الموارد الإضافية لتعزيز الوضع المالي للحكومة، وتحسين السياق الاجتماعي والاقتصادي، ودعم البرامج التكنولوجية لتسهيل عملية انتقال الطاقة.

فعلى سبيل المثال، تعد الطاقة الشمسية أحد خيارات الطاقة البديلة الواعدة في معظم دول مجلس التعاون، نظرًا للموقع الجغرافي والإشعاع الشمسي الذي تحظى به المنطقة. وسيكون دعم وتمويل التطور التكنولوجي في هذا المجال باستخدام الإيرادات الإضافية للإلغاء التدريجي لدعم الكهرباء مفيدًا ومناسبًا.

ويمكن أن تشجع أسعار الكهرباء ذات الحوافز العالية على الاستخدام المكثف للمياه الجوفية، وهو ما قد يؤدي إلى توليد كمية إضافية من الكهرباء، وبالتالي إنتاج المزيد من الانبعاثات الكربونية. لذلك، يمكن أن يسهم الرفع التدريجي لحوافز دعم الكهرباء في الحفاظ على هذه الموارد الطبيعية، وتقليل البصمة الكربونية، وتحقيق أحد الأهداف الاستراتيجية لاقتصاد مرن ومستدام. ومن ناحية أخرى، يجب وضع أسعار الكهرباء في قطاع الزراعة بحذر، نظرًا لحساسية القطاع وتعرّضه للمخاطر بسبب الظروف المناخية القاسية.

علاوة على ذلك، يمكن أن تتفوق النتائج البيئية الإيجابية لإلغاء حوافز الطاقة على أي آثار سلبية قد يتعرّض لها القطاع الزراعي. فمع ارتفاع أسعار الكهرباء، ستزداد أيضًا واردات المحاصيل. وعلى الرغم من أن تكاليف الاستيراد المرتفعة يمكن أن تفوق أي مكاسب في عائدات الكهرباء، فإنها ستشجع المزارعين على استخدام الموارد بشكل أكثر استدامة وتوجيه أنشطتهم الزراعية إلى المحاصيل التي توفر ميزة تنافسية مستدامة.

وبالتالي، يمكن للمزارعين زيادة الكفاءة في إدارة مدخلات الإنتاج الزراعي وتقليل الفاقد. ويمكن أن يساعد هذا أيضًا في تحقيق أهداف تخفيف الانبعاثات الملوثة للبيئة المُلزمة محليًا ودوليًا.

ويجب أن توفر هذه المقاربات وغيرها من الأساليب البديلة، مثل تخطيط أنواع المحاصيل وأنماطها، معرفة وخبرة إقليمية مفيدة في إدارة الممارسات الزراعية. ونظرًا لأن الصحارى تغطي مساحات كبيرة في دول مجلس التعاون، من الضروري التركيز على المحاصيل الأقل استهلاكًا للمياه أو الاستثمار بشكل أكبر في استخدام طرق مبتكرة بديلة، مثل الزراعة العمودية والزراعة المائية باعتبارها وسائل لتقليل الضغط على موارد المياه في البلاد. وبنفس القدر من الأهمية، من الأمور الاستراتيجية الأخرى ضرورة تحديد المحاصيل الأكثر فعالية من حيث التكلفة لإنتاجها محليًا، بدلاً من استيرادها للحفاظ على موارد المياه والطاقة والأراضي.

ويُعدّ الحفاظ على حصة قطاع الزراعة في الاقتصاد الوطني أمرًا بالغ الأهمية لضمان توافر الغذاء وإمكانية وصول السكان إليه، وزيادة دخل المزارعين وتقليل الهجرة من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية. علاوة على ذلك، يمكن أن يساهم تطوير القطاع الزراعي عبر الاستخدام الفعال لموارد الطاقة والمياه لتلبية الطلب المحلي أيضًا في تعزيز مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون الذي يعتبر استراتيجية رئيسية لحماية البيئة.

وتفرض التفاعلات والديناميكيات المعقّدة بين موارد المياه والطاقة والغذاء حاجةً هائلةً لتطوير مناهج تعتمد على التعاون والمشاركة بين القطاعات المتعددة مع القضاء على البيروقراطية التنظيمية والمؤسسية. وتتّسم المؤسسات المختلفة التي تدير هذه الموارد بالتمايز الداخلي القوي وعدم التجانس، كما يُشكل وضع أساس مكافئ مشترك لمقارنة هذه الموارد الخطوة الأولى نحو تطوير خطط الموارد الطبيعية المستدامة وتوصيات تبني السياسات الفعالة.

وفي معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، انطلقت العديد من المشاريع والمبادرات القائمة على نهج صنع السياسات المستنير بالأدلة لضمان اهتداء عملية صنع السياسات بأفضل الأدلة البحثية المتاحة على نحوٍ جيد. وستزود نتائج هذا العمل البحثي صانعي السياسات بمجموعة من الخيارات والتدابير الممكنة التي يمكن أن تحسّن من تصميم وأداء أنظمة المعرفة في إدارة الموارد الطبيعية.

وفي نهاية العام الماضي، أصدر المعهد العدد الأول من نشرة إخبارية إلكترونية جديدة حول الاستدامة في إطار جهوده الرامية لإبراز مساهمة البحوث التي يجريها في معالجة قضايا الاستدامة الملحة بدولة قطر. وفي هذه النشرة الإلكترونية، سلّط الباحثون الضوء على أهمية مواءمة أهداف القطاعات المختلفة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية لتحقيق نظام غذائي مستدام، إلى جانب العديد من العوامل المهمة الأخرى.

* عالِم في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، وعضو مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع.

* د. سعد شنك