بقايا خيال: خطاب المصارحة ومراجعة النفس
جاء ضمن الخطاب الأخير لصاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد، والذي ألقاه سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد،، حفظهما الله ورعاهما، أن ترسيخ ممارسة الشعب للديموقراطية وتحقيق طموحه وتطلعاته وآماله يتطلب من القيادة السياسية الوقوف وقفة تأمل ومصارحة ومراجعة للنفس، تجسد الحرص على الالتزام بوحدتنا الوطنية، وهي الوقفة التأملية التاريخية التي لا يمكن أن تؤتي أكلها ولا نستطيع ككويتيين أن نجني ثمارها إلا بمشاركة الشعب من أصحاب الرأي الحصيف، كل حسب اختصاصه، لتصحيح المسار والانطلاق نحو مستقبل زاهر، تأكيداً للآية الكريمة «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم»، وترسيخاً للمبدأ الدستوري بأن «السيادة للأمة مصدر السلطات جميعاً»، لدعم جهود ربان السفينة في قيادتها إلى بر الأمن والأمان. كلنا يعرف أن ما وصلنا إليه وما نعانيه سياسياً اليوم، بكل تقهقراته الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ليس وليد تشكيل حكومة حالية ولا وليد دور انعقاد حالي لمجلس الأمة، بل هو نتيجة طبيعية لانحراف السلطتين بعد أن استمرأتا تدخلهما في صميم عمل كل منهما، رافق ذلك تجميد تطبيق بعض القوانين على أرض الواقع لعقود أربعة، ناهيك عن تدخلات متنفذين وأصحاب مصالح بالشأن الحكومي والبرلماني، وظهرت قيادات لا تحمل كفاءة ولا تملك مهارات علمية ولا تستند على خبرة عملية، جاءت بالواسطة وبالتعيين الباراشوتي لا بالتدرج الوظيفي المستحق، فكان التراجع الكارثي في أغلب المجالات وعلى رأسها التعليم والصحة. وكيف نضمن أن يحسن الشعب الاختيار السياسي السليم، وقد تحكمت حكومات متعاقبة، حتى لو كان بشكل غير مباشر، في اختيارات هذا الشعب خلال السنوات الأربعين الماضية؟ أليس لهذا السبب اتجه الشعب إلى التحزب والفئوية والطائفية والقبلية، بدعم حكومي فاضح، حتى تعشش في مناطق سكنية بعينها أغلبية قبلية أو طائفية أو فئوية، لتترسخ هذه المفاهيم البالية في عقول الشعب، وصار الناخب متجهاً نحو الجانب القبلي والطائفي والديني في المرشحين بدلاً من الاعتماد على الكفاءة والخبرة والأمانة والقدرة على الإنجاز التشريعي، بعد أن فقد الأمل في الإصلاح؟
وكيف يستطيع الشعب أن يحقق المثالية في اختيار ممثليه، وقد أحسن الاختيار للبرلمان، إلا أن كثيراً منهم انحرف أمام مغريات المال السياسي وملذات المناصب القيادية التي عرضت عليه؟ وكيف يستطيع المخلصون من الكويتيين أن يسيطروا على إرادة أكثر من 432 ألف مواطن يحمل صفة «كويتي» لأنهم حصلوا على الجنسية الكويتية بالتزوير، وهي معلومات ذكرت على لسان سياسيين حاليين ونشرتها صحفنا المحلية قبل سنوات، ثم وقف البرلمان نفسه في طريق تشكيل لجنة للقضاء على هذه الظاهرة؟ لهذا نقول إن الشعب الكويتي الحقيقي المخلص لتراب هذه الأرض، والذي صار أقلية بين كويتيي اليوم، لا يملك عصا سحرية لكي يعيد الأمور السياسية إلى نصابها الصحيح، إلا إذا تشكلت حكومة تكنوقراط لا تأبه للمصالح الشخصية لأي برلماني أو متنفذ.