ابحث عن نفسك

الحياة مدرسة الإنسان ينهل منها كل شيء طول حياته، ففيها يتعلم التعايش مع متطلباتها في وقتي الشدة والرخاء، فهناك من هو صبور ويمارس جلد الذات وتحمل الأهوال والمصاعب حتى يستطيع أن يعبر الأمواج العالية بسلام، وهناك أناساً يهادنون وينطوون على أنفسهم ويستسلمون للأمواج حتى تغطيهم، فمنهم من يهلك ومنهم من يعيش.

ولو نظرنا من حولنا وأسقطنا كل ما سبق على واقعنا المجتمعي لاتضح لنا أن كل ما ذكرناه صحيح، حيث تجد هناك أشخاصاً يشاركون برأيهم ويكون صوتهم مسموعاً في كل شيء، ولهم شخصيتهم الخاصة التي يحترمها الجميع حتى لو اختلفنا معهم، ودائما مبدؤهم واضح وشفاف، ولديهم روح المثابرة والتحدي في كل شيء، وفي المقابل تجد أشخاصاً حياتهم وصحتهم ليست لهم بل سخروا أنفسهم ليكونوا تبع هذا أو ذاك، وجل اهتمامهم خدمته والبحث عن رضاه، حيث روضوا أنفسهم على الانصياع إلى تلقي الأوامر وتنفيذها حتى أصبحت عقولهم معطلة ولا تعمل بل تحقن بالمعلومات والأوامر، ولو جلست مع أحدهم لوجدت كل حديثه يدور حول قال فلان وفعل فلان، ويتحدث عن أشياء يراها في مخيلته فقط، بينما لا يراها كل من حوله ويستمعون لحديثه إلى درجة أنهم تأخذه الشفقة عليه وعلى ما وصل إليه من ضعف وتبعية.

نعم «من يهن يسهل الهوان عليه»، لذلك نقول للضعفاء حاربوا ضعفكم بتعليم النفس الصبر وحرية الرأي والصدح بالحق والابتعاد عن التبعية والاستقواء بالآخر، فكن كما يجب بأن يكون لك قرار في حياتك الشخصية ويؤخذ بقولك ومشورتك في الأحداث، فلا تكن «كمالة عدد» فقط يحتاجك الآخرون في تصفية حساباتهم الشخصية التي ليس لك بها ناقة ولا جمل، وعند انقضاء هذه الحاجة تصبح في خانة الأصفار.

وأخيراً يجب أن يعرف الجميع أن الحياة تحتاج منا جهداً جهيداً لكي نعيش في سعادة، ومن أساسيات ذلك الجهد الحرص على الكرامة في كل صورها، فكن حراً في رأيك وقرارتك ولا تكن إمعة حتى لا تخسر ذاتك، لا تتبع المصالح الدنيوية، ولا تصنع من الأشخاص صنماً تعبده، واعلم أن الله سبحانه هو المعبود وحده، اصنع لنفسك وقاراً، ولا تكن لغيرك وقوداً للنار، احترم محيطك من أصدقاء وأهل وأبناء وكن لهم خير قدوة، ولا تغرك ألقاب تسبق بعض الأسماء فتفتن بها، فلو فتحت صدور بعض هؤلاء الأشخاص لوجدتها جوفاء.

خالد وهف المطيري