تقتضي الموضوعية والحيادية أن يحتكم المختلفان لدى جهة محايدة، تنظر في أحقية المتخاصمين، دون أن تنحاز إلى طرف على حساب الآخر، لكن ما يحدث في آلية استخدام المادة 25 من قانون البلدية المعمول به حالياً رقم 33 لسنة 2016 والمتعلقة بالاحتكام بين قرارات المجلس البلدي ووزير الدولة لشؤون البلدية، مخالف لطبيعة الاحتكام والفصل بين طرفين. وفور رفض المجلس البلدي لاعتراض وزير البلدية، وإصراره على التمسك بقراراته المتخذة في الجلسات الرئيسية، ترفع تلك القرارات بشكل تلقائي لمجلس الوزراء بعد كتاب من وزير البلدية، بيد أن النظر في الاحتكام بين «البلدي» والوزير، يحدث داخل لجنة الخدمات العامة الوزارية التي يرأسها وزير البلدية نفسه، مما يجعل الوزير «الخصم والحكم» حيال المجلس البلدي، وهو الأمر الذي يدعم رفض قرارات المجلس البلدي بنسبة كبيرة.
ورغم أن المادة 25 من القانون لم تحدد اللجنة المختصة بمناقشة الاحتكام، فإنها - عرفاً - يجب أن تكون لجنة محايدة يشكّلها مجلس الوزراء.وهذا ما يؤكده القانون الذي ينصّ على أنه «إذا تمسّك المجلس بقراره بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، يرفع الوزير الأمر إلى مجلس الوزراء الذي عليه أن يبتّ الأمر - بعد الاستماع لرأي المجلس البلدي - خلال 6 أشهر من تاريخ إخطاره»، مما يضع تلك المادة في مرمى التعديل والتنقيح ضمن التعديلات على قانون 2016/33 المطروحة بين الجهاز التنفيذي في بلدية الكويت والمجلس البلدي، بما يضمن إعطاء الأخير صلاحيات أكبر للاحتفاظ بقراراته.«الجريدة» استطلعت آراء بعض أعضاء «البلدي» السابقين بشأن تنفيذ المادة 25، الذين أكدوا ضرورة تعديل المادة وتشكيل لجنة محايدة باستبعاد الوزير منها وضمان عدم الانحياز، حيث قال عضو المجلس البلدي السابق، مشعل الحمضان، إنه عندما وضع المشرع المادة 25 في قانون 2016/33 كان المقصد منها أن يكون هناك طرف ثالث محايد للفصل بين المجلس البلدي والوزير المعني، متابعاً: «إلا أن الطرف الثالث المخول بمجلس الوزراء حدد إجرائياً وليس بنص القانون بأن يُحال الفصل إلى لجنة الخدمات، التي تشمل وزير البلدية عضواً فيها». وذكر الحمضان أنه من غير المعقول أن يكون وزير البلدية الخصم والحكم في الوقت نفسه، خاصة في السنوات الأخيرة، وتحديداً في المجلس السابق، كان الوزير هو الرئيس الفعلي للجنة الخدمات، التي تعد لجنة الفصل في قرارات «البلدي»، فمن الطبيعي أن يأتي الفصل ضد قرار «البلدي»، قائلاً «سبق أن لفتنا في المجلس السابق لهذه الثغرة، لكونها لا تصب في اتجاه تحسين أداء المجلس وعمل الوزير المستقبلي».وأضاف أنه كان الأولى بالمشرّع أن ينص صراحةً على عدم إشراك وزير البلدية كطرف في لجنة الفصل بمجلس الوزراء، وكان أيضاً على الوزير الانسحاب عند التصويت على قرار الفصل من باب المسؤولية والمصداقية، والحرص على عدم التدخل في آلية الفصل، متمنياً أن يتم تعديل المادة 25 في التعديلات الجديدة المطروحة على القانون الحالي، ومؤيداً استبعاد وزير البلدية في إبداء رأيه بمسألة التصويت التي من شأنها أن تدخل في تعارض المصالح. بدوره، قال العضو السابق في «البلدي»، أحمد العنزي، إن الكثير من القرارات المستحقة التي تمسّك بها المجلس البلدي السابق فور أن تصل إلى اللجنة الوزارية تُرفض، مبينا أن الإجراء المتّبع حسب القانون الحالي يقلل من قوة تمسّك «البلدي»، خاصة أن اللجنة المخولة للنظر يرأسها وزير البلدية. ولفت العنزي إلى أن المادة 25 لم تحدد أي لجنة تفصل بين قرارَي الوزير و«البلدي»، لكن جرت العادة على أن توضع هذه المهمة في لجنة الخدمات العامة، وهذا إجراء يحتاج إلى تعديل، متابعا أنها تفاصيل صغيرة ممكن أن تعرقل أو تدعم العمل البلدي، ويعتمد ذلك على التعديلات المطروحة على القانون الحالي. من جانبه، أكد العضو السابق عبدالسلام الرندي مراجعة المادة 25 بشكل ضروري، بما يضمن عمل المجلس البلدي واحترام قراراته التي يتمسك بها، قائلا إنه ليس من المنطق أن تحال القرارات للجنة يرأسها الوزير الذي يعد أحد الخصوم في الفصل.وطالب الرندي بتشكيل لجنة محايدة تضمن عدم الانحياز بمشاركة مهندسين ومستشارين من ذوي الخبرة لبحث القرارات فنياً وقانونياً، دون مانع من دعوة جهات حكومية معنيّة وحضور أعضاء «البلدي» والوزير المعني، مؤكدا أن التعديل من شأنه أن يمنح «البلدي» قوة تعادل قوة قرارات الوزير.
محليات
وزير البلدية... «الخصم والحَكَم» في نزاع قرارات «البلدي»
22-07-2022