بات لبنان أمام أسابيع حاسمة، 6 منها يُفترَض خلالها بروز المؤشرات النهائية على احتمال الوصول إلى اتفاق حول ترسيم الحدود، أما الـ 6 التالية فستكون مخصصة للدخول جدياً في مدار معضلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وفيها سيظهر الكثير من الغرائب والعجائب، على وقع الصراعات السياسية والمالية والاقتصادية والقضائية.

وينتظر لبنان في الأسبوعين المقبلين جواباً من المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين، حول اتفاق ترسيم الحدود، يُفترَض أن يأتي قبل حلول سبتمبر المقبل؛ لتجنب التصعيد وكف الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله عن الالتزام بتهديداته بقلب الطاولة، ومنع تصدير الغاز من البحر المتوسط.

Ad

وتضج الكواليس السياسية والدبلوماسية ببعض المواقف الإيجابية حول الوصول إلى اتفاق، أو بالحد الأدنى تحقيق تقدّم على خط الترسيم، خصوصاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد أكد لهوكشتاين نيته التوصل إلى اتفاق، والأمر نفسه عكسته إشارة السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا إلى تحقيق تقدم في الملف وإمكانية الاتفاق بشأنه.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس: «نرحّب بالحوار البناء، وبالتقدم الذي تحقق، وسنقوم بكل ما في وسعنا، وكذلك هوكشتاين لدعم هذه العملية، والمضي قدماً».

إذاً كل هذه المؤشرات تبدو إيجابية، بحسب ما تقول مصادر أمنية وعسكرية لـ «الجريدة»، إذ ترفض كل الأطراف حصول أي تصعيد، والحفاظ على الاستقرار في البحر المتوسط لإيصال الغاز لأوروبا مع حلول الخريف، فضلاً عن عمل فرنسا بدبلوماسيتها على تكريس التهدئة، ودور مصر في منع حصول أي تصعيد، وإسهامها ليحصل لبنان على حقوقه كاملة. كل هذه التحركات جاءت بعد تهديدات نصرالله باستهداف حقول الغاز بالمتوسط، ومنع إسرائيل من استخراجه إذا لم يُسمَح للبنان ببدء العمل في التنقيب، بينما أكدت السفيرة الفرنسية لمسؤولين لبنانيين أن شركة توتال مستعدة للبدء بعمليات التنقيب بعد إنجاز الترسيم.

ووفق المصادر العسكرية فإن عملية إطلاق مسيرات «حزب الله» باتجاه حقل كاريش، رافقتها عملية أخرى رصدتها الأقمار الصناعية تمثلت في تحريكه لعدد من صواريخه الدقيقة على مرأى من المسيّرات الإسرائيلية وأقمار صناعية أميركية، فكانت هذه رسالة بأن الحزب جاهز للخيار العسكري ولاستهداف منصة كاريش.

بعد هذا التحرك، تفعّلت الاتصالات الساعية إلى تهدئة الوضع ومنع تفاقمه، وحصل تواصل بين مسؤولين لبنانيين وهوكشتاين، الذي أعلن استمرار الوساطة والسعي للعودة قريباً إلى بيروت حاملاً جواباً إسرائيلياً على تمسك لبنان بالمطالبة بالخطّ 23 كاملاً أي بمساحة 860 كلم2، بالإضافة إلى حقل قانا وضمان السماح لشركات التنقيب بالعمل.

كل المؤشرات تستبعد وصول الأمر إلى مشارف مواجهة أو معركة عسكرية، ولكن المصادر العسكرية والأمنية لا تُسقِط حصول أي تطور أو خطأ في الحسابات يؤدي إلى تدهور الأوضاع، خصوصاً أن الحزب يقوم بأكبر عملية تعبئة داخلية، في حين يكثر المسؤولون الإسرائيليون من تهديداتهم بتدمير لبنان وتوجيه ضربة للحزب.

ويُفترض بملف الترسيم أن يكون فاتحة لتهدئة تشمل معظم الملفات، أما في حال استمرار التعقيد فإن التصعيد سيكون قائماً، وسيكون معطوفاً على تصعيد في أغلبية الملفات الداخلية، وقد شهد اللبنانيون فصولاً متوالية منها في الأيام الماضية، وصولاً إلى رفع الصوت من الكنيسة المارونية ضد توقيف أحد المطارنة، بالإضافة إلى إشهار الرئيس ميشال عون سلاحه القضائي ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وضد رئيس دائرة المناقصات جان العلية، وتضع مصادر سياسية رسمية هذه التحركات في خانة فتح معركة الرئاسة، وهي معركة ستتخذ الكثير من الطبائع الشرسة في المرحلة المقبلة، مما سيؤدي إلى إشكالات متعددة وغير متوقعة، بانتظار الوصول إلى تسوية، وفي حال لم يتم إنجازها، سيكون الانقسام سائداً، وتداعياته ستكون أخطر على هيكلية الدولة والنظام السياسي.