في ضربة صادمة لاتفاق جرى توقيعه قبل يوم لفك الحصار عن صادرات الحبوب عبر الموانئ الأوكرانية المطلة على البحر الأسود، اتهمت كييف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتوجيهه «صفعة» إلى الأمم المتحدة وتركيا بهجومه على ميناء أوديسا، مؤكدة أن موسكو «ستتحمّل مسؤولية» فشل الاتفاق على تصدير الحبوب.
بعد ساعات فقط على توقيعها اتفاقا مع أوكرانيا برعاية تركيا والأمم المتحدة لاستئناف صادرات الحبوب، التي توقفت بسبب الحرب والعالقة في موانئ البحر الأسود، صدمت روسيا العالم، بقصفها بالصواريخ الموجّهة على ميناء أوديسا الرئيسي، مما أدّى إلى ردود فعل دولية كبيرة.وفيما أفاد الجيش الأوكراني بأن الصواريخ الروسية أصابت منشآت للبنية التحتية في ميناء أوديسا، الأساسي في عملية تصدير الحبوب للعالم، اعتبر الناطق باسم وزارة الخارجية الأوكرانية أوليغ نيكولينكو، أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «بصق في وجه الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش والرئيس التركي رجب طيب إردوغان، اللذين قاما بجهود للتوصل إلى اتفاق»، عبر إطلاقه صواريخ على أوديسا.بدوره، أعلن ممثل منطقة أوديسا سيرغي براتشوك، أمس، أن «بوتين وجّه صفعة إلى الأمم المتحدة وتركيا بهجومه على أوديسا بصواريخ كروز من طراز كاليبر». وفي نيويورك، دان غوتيريش «بشكل لا لبس فيه» الهجمات الصاروخية، مشيراً إلى أنه «لا بد من التنفيذ الكامل للاتفاق من قبل الاتحاد الروسي وأوكرانيا وتركيا».من ناحيتها، أكدت سفيرة الولايات المتحدة بكييف بريدجت برينك، إنه يجب محاسبة روسيا على هجومها على أوديسا. وقالت: «موسكو ما زالت تعمل على عسكرة أزمة الغذاء»، واصفة الضربة الروسية على ميناء أوديسا بأنه «عمل شائن».كما اعتبر وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أن «ضرب هدف مهم لتصدير الحبوب بعد يوم واحد من توقيع اتفاق إسطنبول أمر مستهجن ويبرهن مرة أخرى ازدراء روسيا الكامل بالقانون والالتزامات الدولية».وجاءت هذه التطورات بعد أقل من 24 ساعة من توقيع كل من روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية، في قصر دولما بهجة في إسطنبول، بحضور غوتيريش وإردوغان. ووقّع طرفا النزاع بالأحرف الأولى نصّين متطابقين لكن منفصلين، بناء على طلب الأوكرانيين الذين رفضوا توقيع أيّ مستند مع الروس.ورأى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المصورة اليومية، أن «الجميع يعلم أن روسيا يمكن أن تمارس استفزازات وتحاول تشويه صدقية الجهود الأوكرانية والدولية. لكننا نثق بالأمم المتحدة. مسؤوليتهم الآن أن يضمنوا احترام الاتفاق».كما قال إن بلاده لديها شحنات حبوب جاهزة للبيع قيمتها نحو 10 مليارات دولار.
ممرات آمنة
وتهدف هذه الاتفاقية إلى تفادي أزمة غذاء عالمية، ونصت على إقامة «ممرات آمنة» من شأنها السماح بعبور السفن التجارية في البحر الأسود، وقد تعهدت موسكو وكييف «عدم مهاجمتها».وسيكون الاتفاق صالحاً لمدة «120 يوماً»، وهي المدة اللازمة لإخراج نحو 25 مليون طن من الحبوب المكدسة في الصوامع الأوكرانية في حين يقترب موعد موسم حصاد جديد.إلا أن المفاوضين تخلّوا عن إزالة الألغام من البحر الأسود (التي كان الأوكرانيون بشكل أساسي قد زرعوها لحماية سواحلهم). وبررت الأمم المتحدة الأمر بأن «إزالة الألغام ستستغرق وقتًا طويلًا» مضيفةً أن «طيارين أوكرانيين» سيفتحون الطريق أمام سفن الشحن في المياه الإقليمية.وأبدت تركيا استعدادها للمساعدة في إزالة الألغام في هذه المنطقة البحرية، فيما تعهّدت روسيا بأنها «لن تستغلّ تنظيف هذه الموانئ (الأوكرانية) من الألغام وتشغيلها».وستُجرى في إسطنبول عمليات تفتيش للسفن المغادرة والمتجهة إلى أوكرانيا، بهدف تبديد مخاوف روسيا التي تريد ضمانات بأن سفن الشحن لن تجلب أسلحة إلى الأوكرانيين.وكان الحصار الروسي على الموانئ الأوكرانية أدى إلى تقطع السبل بنحو 22 مليون طن من القمح والذرة وغيرها من الحبوب في الصوامع، ما أسفر عن آثار مدمرة على أسعار الغذاء العالمية ومستويات الفقر، وفقاً لتقرير لصحيفة «واشنطن بوست».وفي وقت سابق حذر «البنك الدولي» من أن الصراع في أوكرانيا سيغرق 95 مليون شخص إضافي في براثن الفقر المدقع، و50 مليوناً في جوع شديد هذا العام.وفي سياق متصل، كشف برنامج الغذاء العالمي أن تداعيات الصراع التي قد تدفع 47 مليون شخص إضافي حول العالم إلى «الجوع الحاد».قصف روسي
في هذه الأثناء، واصلت القوات الروسية عمليات قصف لا هوادة فيها على منطقة دونيتسك في الشرق والتي ركزت هجومها عليها في الأشهر الأخيرة.وفي الجنوب، تقول كييف إن القوات الروسية تقصف قرى على طول خط الجبهة في إقليم خيرسون حيث يحاول الجيش الأوكراني استعادة مناطق سيطرت عليها موسكو في أعقاب بدء الغزو في 24 فبراير. كما أفادت السلطات الأوكرانية، إن قواتها تحاصر أكثر من ألف جندي روسي في خيرسون.إلى ذلك، أعلن جهاز الاستخبارات العسكرية الأوكراني أن القوات الأوكرانية ضربت موقعا روسيا قرب محطة زابوريجيا للطاقة النووية الواقعة تحت سيطرة موسكو، باستخدام «طائرة مسيّرة بلا طيار انتحارية»، مشيراً إلى ان الضربة «أصابت معسكرا يضمّ خصوصا مركبة مزوّدة بقاذفات صواريخ متعددة من نوع غراد. وقُتِل ثلاثة روس وجُرِح 12 آخرون». وبينما جدّد رئيس الوزراء البريطاني المستقيل بوريس جونسون لزيلينسكي، أن دعم بريطانيا لأوكرانيا لن يضعف بصرف النظر عن هوية خلفه، أعلنت الولايات المتحدة مساعدة جديدة لأوكرانيا بقيمة 270 مليون دولار، تشمل خصوصاً 4 منظومات مدفعية جديدة عالية الدقة من طراز «هيمارس». وتشمل الشحنة الجديدة أيضا 500 مسيّرة هجومية من طراز «فينيكس غوست» وفق الناطق باسم البيت الأبيض للقضايا الاستراتيجية، جون كيربي.