عندما يهدد الوطن خطر يهدد وحدته واستقرار الحكم، فالاحتكام إلى الأمة مصدر السلطات جميعها، بإجراء انتخابات لمجلس جديد بعد حل المجلس الحالي، بأمر أميري، يكون جائزاً للضرورة، إذا استحالت ممارسة سموه لهذه السلطة، لوجود حكومة مستقيلة لا تملك سوى تصريف العاجل من الأمور، وكان صاحب السمو، يستخدم هذه السلطة حكماً بين السلطتين، في تطبيق أحكام المادة (102) من الدستور، حيث لم تزايله هذه الصفة... كان هذا هو ما انتهينا إليه في المقالين المنشورين يومي الأحد 3 و 17 من الشهر الجاري.
الأوامر الأميرية في المذكرةإلا أنني تلقيت رسالة رقيقة من برلماني قدير وأخ كريم، حريص على ممارسة الأمير سلطاته الدستورية بواسطة وزرائه، باعتباره ركناً جوهرياً من أركان الحكم البرلماني، وثابتاً من ثوابته الأساسية، ليردني عن رأيي، مستشهدا في ذلك بما للمذكرة التفسيرية للدستور من قوة الإلزام، فيما جاء بها من أن هذه الممارسة تقتضي حلول المراسيم محل الأوامر الأميرية عدا حالات ثلاث، هي اختيار الأمير ولي العهد، واختيار نائب عنه يمارس كل أو بعض سلطاته في غيبته، وتعيين رئيس مجلس الوزراء وإعفاؤه من منصبه، باعتبار هذه الاستثناءات في رأيه واردة على سبيل الحصر وليست واردة على سبيل المثال.تقدير هذا الرأي ومع تقديري لهذا الرأي، وتقديري لصاحبه، وأضيف إليه ما هو مقرر فقهاً وقضاء من أن الاستثناء لا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه شريطة أن يكون الاستثناء قد ورد في النص الدستوري محل التفسير، أو في الإيضاحات المتفرقة الواردة في المذكرة التفسيرية لبعض مواد الدستور، والتي ألزمتنا المذكرة بأن يكون تفسير هذه المواد على وجه الخصوص وفقا لها، إلا أن الاستثناءات السالفة الذكر الخاصة بالأوامر الأميرية، لم ترد في نص المادة (55) لطبق عليها القاعدة الفقهية والقضائية سالفة الذكر، ولم يكن لهذه المادة نصيب في أن تكون ضمن هذه المواد، التي ورد تفسيرها على وجه الخصوص في المذكرة، بل وردت في التصوير العام لنظام الحكم، والذي يكون تفسير أحكام الدستور في ضوئه.وغني عن البيان أن هذا الرأي يظل مع اختلافنا معه متحليا بنبل الباعث عليه، وهو الخشية من توسع رئيس الدولة في استخدام صلاحياته الدستورية بأوامر أميرية، وليس بواسطة وزرائه، وقد نأي الدستور بالأمير عن أي مساءلة سياسية، وجعل ذاته مصونة لا تمس، فتضيع المسؤولية السياسية، التي هي جوهر الحكم الديموقراطي، ويفقد طابعه الشعبي في الرقابة البرلمانية.وفي تفصيل ذلك نورد ما يلي:التفسير الخاص لبعض النصوصقسمت المذكرة التفسيرية بيانها لأحكام الدستور إلى جزأين:أولاً- التصوير العام لنظام الحكم. ثانياً - التفسير الخاص لبعض النصوص.وأدلت المذكرة بدلوها في الجزأين، ثم ختمت بيانها بخاتمة تتميز بدقة التعبير عن مقاصد المشرع الدستوري ومقاصدها في هذا البيان... ننقلها بالحرف الواحد من المذكرة فيما يلي:«وفي ضوء ما سبق من تصوير عام لنظام الحكم، ووفقا لهذه الإيضاحات المتفرقة في شأن بعض المواد على وجه الخصوص يكون تفسير أحكام دستور دولة الكويت». فقد وضعت المذكرة التفسيرية بهذه الخاتمة النقاط على الحروف، بالنسبة إلى الجزء الأول، التصوير العام لنظام الحكم، فيكون تفسير أحكام الدستور، في ضوء عموم هذا التصوير.أما ما ورد من إيضاحات متفرقة على وجه الخصوص بالنسبة الى بعض النصوص، فيكون تفسير احكام الدستور، وفقا لها، حسبما جاء بالحرف الواحد في خاتمة المذكرة والذي ورد في الجزء الثاني من المذكرة التفسيرية. «تفسير النصوص»حيث يبين من استعراض الإيضاحات المتفرقة قرينة بعض نصوص الدستور، التي اختصتها المذكرة على وجه الخصوص بتفسير لأحكامها أنها قواعد قانونية ملزمة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان، لها قوة الإلزام التي للنص ذاته، استكملت بها المذكرة ما لم تتضمنه نصوص هذه المواد من قواعد قانونية واجبة الاتباع في تطبيقها، وعلى سبيل المثال فإن المادة (90) من نصوص الدستور، وهي إحدى المواد التي وردت في المذكرة، تتضمن إيضاحات متفرقة على وجه الخصوص فيما نصت عليه من أن كل اجتماع يعقده المجلس في غير الزمان والمكان المقررين لاجتماعه يكون باطلاً وتبطل بحكم القانون القرارات التي تصدر فيه، وقد جاء حكمها عاما ومطلقا، فيسري على عمومه، ويجري على إطلاقه، فجاءت المذكرة التفسيرية في إيضاحاتها لنص هذه المادة باستثناء، فيما قررته، وننقله بالحرف الواحد عنها.«المادة 90 ـ نص هذه المادة لا يمنع دستورياً من اجتماع المجلس في غير الزمان والمكان المقررين لاجتماعه، إذا دعت ضرورة لذلك، ووفقاً لنظرية الضرورة وبشروطها القانونية المقررة».وهو النهج ذاته الذي انتهجته المذكرة التفسيرية للدستور، في تفسيرها لنصوص (42) مادة، من بين مواد الدستور البالغ عددها (183) اختصتها المذكرة التفسيرية بإيضاحاتها المتفرقة، ليكون تفسير أحكامها وفقا لهذه الإيضاحات.التصوير العام لنظام الحكم وهو عنوان الجزء الاول من جزأي المذكرة، حيث جاءت الاستثناءات الثلاثة التي وردت في المذكرة التفسيرية للدستور، والتي يمارس الأمير فيها سلطته بأوامر أميرية، والسابق بيانها في خضم التصوير العام لنظام الحكم ليكون تفسير أحكام المادة (55) في ضوئها، وليس وفقا لها، كما في الإيضاحات المتفرقة النصوص وبما لا يمنع من الإضافة إليها حتى لا تطبق الحلول ذاتها على أوضاع متغيرة.وما كان أغنانا عن التدليل على أن الاستثناءات الثلاثة الواردة في المذكرة التفسيرية للدستور الخاصة بالأوامر الأميرية ليست على سبيل الحصر بل تفسر أحكام الدستور في ضوئها، وهو ما سنبينه، وقد قنن المشرع هذا الرأي بإضافة استثناء آخر ورد في المادة (5) من توارث الإمارة رقم (4) لسنة 64 فيما نصت عليه بأن يعين الأمير بأمر أميري وكيلاً أو أكثر يتولون في الحدود التي يبينها الأمر الصادر بتعيينهم إجراءات التقاضي، وتوجه إليهم الأوراق القضائية في الشؤون الخاصة بالأمير، دون أن يمنع المشرع من إضافة هذا الاستثناء الجديد مقولة أن الاستثناءات الثلاثة قد وردت على سبيل الحصر.ولا ينهض للقول بغير ذلك ما نصت عليه المادة (4) من أن هذا القانون تكون له صفة دستورية فلا يجوز تعديله إلا بالطريقة المقررة لتعديل الدستور، ذلك ان الصفة الدستورية لهذا القانون لم تكن تخول المشرع عند اصدار هذا القانون أن يخالف أحكام المادة (55) من الدستور أو ما ورد في شأنها من استثناءات خاصة بالأوامر الأميرية بأن المادة (4) من الدستور لم تفوض المشرع في مخالفة أحكام الدستور، إنما أرادت هذه المادة ان تحصن هذا القانون من أي تعديل له يجري بعد صدوره الا بالطريقة المقررة لتعديل الدستور...الأمر الذي يعزز رأينا فيما قلناه من أن الضرورة قد تقضي بحل مجلس الأمة بأمر أميري للاحتكام إلى الأمة مصدر السلطات جميعا والضرورات تبيح المحظورات، فيظل الدستور نابضاً بالحياة على مواجهة المتغيرات ومجابهة التحديات، وأساس ذلك تشهد به المذكرة التفسيرية للدستور ذاتها عندما استخدمت تعبيرا مغايرا بالنسبة الى التصوير العام لنظام الحكم بأن يكون احكام الدستور في ضوء عموم هذا التصوير من اشعاع فكري حفل به الجزء الأول من المذكرة التفسيرية يتمثل في النظرة الأشمل لنصوص الدستور المتعلقة بسلطات الدولة الدستورية الثلاث، ومبدأ الفصل بين السلطات مع تعاونها، وما يتوخاه فهم الدستور من معان يظل بها صامداً في مواجهة ما يطرأ على الحياة السياسية من أنماط التعبير أو لمجابهة التحديات والعقبات التي تواجه تطبيقه، وذلك بالاطلاع على أحكام الدساتير المقارنة والتطور التاريخي لهذه الأحكام، التي كانت النبع الذي نهل منه دستور الكويت أو طرح بعضه جانبا لعدم اتفاقه مع واقع الكويت، أو لكونه أملاً لا يعيش في فراغ وإنما ينتظر الوقت المناسب من بلوغ الحياة السياسية في تطورها مناخا يمكن أن تطبق فيه هذه الأحكام.فالتحليل الوارد في التصوير العام لنظام الحكم والتأصيل الذي حفلت به المذكرة ينهلان من الأوضاع الواقعية في الكويت وفي غيرها من دول تتشابه ظروفها حتى نجنب تطبيق الدستور التنظير من زاوية مجردة لا تعيش الواقع ولا تحلم بتغييره إذا التزمت بحرفية نصوص الدستور وانحرفت عن مقاصده المعبرة عن آمال أمة بأجيالها المتعاقبة في مستقبل أفضل ينعم فيه الوطن بمزيد من الرفاهية والمكانة الدولية، ويفيء على المواطنين مزيداً كذلك من الحرية السياسية مع الحرص على صالح المجموع والحفاظ على وحدة الوطن واستقراره حسبما جاء في ديباجة الدستور.
مقالات
في ظلال الدستور: الحل بأمر أميري لا يتعارض وقوة إلزام المذكرة التفسيرية للدستور
24-07-2022