لماذا لا تُضخ المليارات لتحريك أسواق الخليج؟!
الحركة التجارية في الخليج راكدة، وتكاد تكون نائمة مقارنة بالأسواق العالمية.كان لدى الخليج فوائض مالية تقدر بالتريليونات أثناء الطفرة النفطية منذ السبعينيات من القرن الماضي، حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكان الأجدر بنا أن نكون في المقدمة في المجال الصناعي باعتبار أن النفط في حوزتنا؛ لكن للأسف كل أموالنا في الخليج التهمها الكبار وقاموا بتجميدها في الخارج أو استثمروها في الصناعات الخارجية والبورصات العالمية حتى كادت أسواقنا تغدو ميتة.هذه التصرفات - عدم استغلال الوفورات جيداً - جعلتنا متخلفين صناعياً وعلمياً، بل ساعدنا الدول الرأسمالية والنيوليبرالية المتوحشة على التقدم بمئات الأميال في الأسواق العالمية إن صح التعبير.
جراء هذه التصرفات أصبحنا عاجزين حتى عن توفير لقمة الغذاء لشعوبنا، وأصبحنا نستورد كل ما يملأ بطوننا، ويستر عوراتنا، ويسهل تناقلاتنا كالسيارات والقطارات والطائرات، وتواصلنا كالهواتف الذكية والكمبيوترات وغيرها.في ظل هذه الوفورات المالية، ومنذ السبعينيات، ونحن لا نمتلك الصناعات الأساسية التي تغنينا عن الغير، فأين الخلل؟في تقديري، الخلل يكمن في الحكومات المتعاقبة التي أصبحت هي الأخرى تلهث وتبحث عن المال، لاحظنا واستنتجنا أن الكثير من أعضاء الحكومات السابقة كانوا منشغلين في تجارتهم، ويعملون في تكديس مدخراتهم، والعمل على متابعة استثماراتهم، مما أدى إلى التقصير في إنجاز العمل المنوط بهم، كالبحث عن مستثمرين خارجيين لسد النقص في الصناعات التقليدية الأساسية والغذائية والسياحية في بلدانهم.كان الجميع يعمل في التجارة، ويسابق الزمن لتكوين الثروات الهائلة، ولا يعير عمله إلا النذر البسيط من وقته، والبعض يجلب الصناعات التي تخدمه في الأساس قبل خدمة الشعوب، فنلاحظ أن كل التجار الحاليين كانوا أعضاء في الحكومات السابقة.للأسف الأغلبية من وزراء الصناعة والتجارة، في الخليج لم يقوموا بالدور المطلوب منهم في خدمة شعوبهم، مما جعل تجارتنا وصناعتنا على مدى عشرات العقود راكدة ميتة، وبالتالي نتجت عن ذلك بطالة خليجية مقنعة تعيش على الفساد أو المساعدات الاجتماعية أو بعض الفتات من الثروات الهائلة. نقترح على أصحاب رؤوس الأموال المكدسة خارجياً، البدء في إنشاء الشركات العملاقة كمصانع المواد الكيميائية والدوائية، والمواد الطبية، وشركات السيارات والطائرات ومصانع الأسمنت والكنكريت وجميع التكنولوجيا المتقدمة كصناعة الطاقة النووية والطاقة المتجددة، والمعادن واللدائن، والصناعات الغذائية وغيرها، وذلك لتوفير الوظائف لشعوبنا من جهة، ومن جهة أخرى تنمية قدراتنا العلمية والتكنولوجية من جهة أخرى، حتى نصبح قوة اقتصادية مهمة تعتمد على صناعتها، وبالتالي نتحرر من القيود الدولية كما تفعل روسيا إذا كانت لدينا الاكتفاءات الذاتية.باتت الصناعات أولوية مهمة وركيزة أساسية، لتنويع مصادر الدخل، للخليج العربي، كصناعة الطاقة المتجددة، والمحطات النووية السلمية، والمعدات الطبية والأجهزة الإلكترونية والصناعة الدوائية، فضلاً عن الصناعات الثقيلة في الحديد والألومنيوم وقطع الغيار وغيرها، كتعويض عن انحسار واردات النفط ورفع معدلات الشحن والنقل، وقطع الإمدادات مع التوترات الإقليمية والدولية، وأزمات الحروب الإقليمية والدولية المتعاقبة.لا تنفعكم أموالكم المكدسة خارجياً، يستفيد منها الأجانب، وهي من حقوق هذه الأراضي وخيراتها.مِن المؤمل أن توضع خُطط صناعية بديلة، لتنويع مصادر دخلنا، المتمركز على النفط وتكريراته فقط حتى تستفيد منه الأجيال القادمة. * كاتب بحريني