«لا حمام فوق المدينة»... تروي سيرة الحرب السورية
رواية سوزان إبراهيم ترصد ما جرى في بلادها خلال عامي 2011 و2012
تجربة الكاتبة السورية سوزان إبراهيم مثل شجرة شامخة وارفة الظلال، فالمتابع لإنتاجها الأدبي ينتبه من الوهلة الأولى لإثراء تجربتها المتنوعة بين الشعر والقصة والرواية، لترسم مسيرتها الإبداعية التي تسير بإيقاع متزن لوحة فنية تواصل التشكُّل باحترافية، ويجوز أن نطلق عليها «حديقة إبداع» متنوعة الزهور.على الرغم من المسافة الطويلة بين القاهرة وستوكهولم، فإن الأديبة السورية المقيمة في السويد، سوزان إبراهيم، استطاعت أن تلفت نظر جمهورها من القراء في مصر، حين أصدرت أخيرًا، روايتها الجديدة «لا حمام فوق المدينة»، عن دار روافد للنشر والتوزيع بالقاهرة، وهي التجربة السردية المهمة التي تحمل اسمها بعد باقة عناوين حققت هي الأخرى أصداءً طيبة في أرض الكنانة.
الرواية الجديدة تندرج تحت السيرة الذاتية، وقد اعتمدت فيها الكاتبة على اليوميات التي دوّنَتْها خلال عامي 2011 و2012، وتتناول فيها أهم الأحداث التي وقعت في العاصمة السورية دمشق حيث كانت تعيش وتعمل، ومدينة حمص حيث تقيم عائلتها، وكل ما حدث على الطريق الدولي خلال سفرها المتواصل بينهما.
إهداء للأطفال
واختارت سوزان أن تهدي عملها الجديد إلى النشء في بلدها الذي عانى ويلات الحرب من أوائل عام 2011: (للأطفال السوريين الذين لم يعيشوا الحرب، أو الذين قد لا يذكرون ما جرى، للأطفال الذين سيقرأون في كتب التاريخ عن الحرب حسب وجهة نظر من كتبهُ، هذه بعض الحرب كما عشتها يوماً بيوم).في 273 صفحة وعبر أربعة فصول، تحكي الرواية بأصوات متعددة: أبو ليلى، نزار، إلياس، زكريا، مها وآخرين ما جرى. الجميع في هذه الرواية شهود عيان في المكان والزمان المحددين حيث وقعت أحداث كثيرة غيّرت مرة واحدة وإلى الأبد كل ما اعتاده السوريون في الحياة قبل اندلاع أول شرارة للحرب.الطرق الوعرة
في الفصل الأول «الطرق الوعرة» ثمة وصف كامل ودقيق لبدايات الحراك الشعبي في دمشق، وكيف كانت عودة الكاتبة إلى بيتها في مدينتها، وفي وطنها غير ممكنة وموضع شك ذات يوم. كيف واجهت كل الأحداث التي جرت حولها وهي تلوذ في بيت مُستأجر في طرف المدينة الشرقي وحيدةً.أما الفصل الثاني «لم يرد في نشرات أخبار عام 2011» فيتناول كل الأحداث التي شهدتها الكاتبة وسمعت عنها في محيطها وكيف تطورت الأمور من حراك شعبي إلى ما كانت تخشاه. هنا وقائع الحياة الحقيقية التي لم يهتم بها الإعلام، ولم ترصدها عين كاميرات المراسلين والتلفزيونات. إنها الحياة في حدائق الخوف الخلفية للحرب حيث الأشخاص حقيقيون وليسوا مجرد أرقام وأخبار عاجلة.حرب أهلية
ويأتي الفصل الثالث تحت عنوان «أبو ليلى»، وهو المعتقل السياسي السابق الذي قضى 12 عامًا في السجون ساعات الترقب وانتظار قطار الثورة القادم من مصر، ويحكي عن مشاركاته في التظاهرات ومشاهداته وكل ما حدث معه وما سمعه وما تعرَّض له من أخطار خلال ذلك. بينما الفصل الرابع «لم يرد في نشرات أخبار عام 2012» يرصد تطورات خطيرة في الأحداث وكيف تحوَّل الحراك الشعبي الثائر إلى حرب أهلية في بعض الأماكن.هذه رواية الحرب بكل ما فيها من آلامٍ، وأحداث مخيفة ومصائر مجهولة ونزوح وتهجير ودماء وكوابيس ونهايات غير مكتملة لكثير من شخوص الرواية الحقيقيين.ولمَنْ لا يعرف، فإن هذه الرواية سبق أن صدرت أولًا باللغة السويدية عام 2019 بعنوان «عندما تنفجر الريح بجلدي»، ولاقت صدى كبيرًا في الوسط الأدبي الثقافي السويدي. وحصلت الكاتبة ودار النشر (Teg Publishing) على منحة كبيرة لترجمتها عن المخطوط العربي حيث قامت آنّا يانسون Anna Jansson بالترجمة.نثر شفاف
ومما كتبه الشاعر السويدي الكبير Ragnar Strömberg: «أوقفت تشغيل الراديو واستأنفت قراءة (عندما تنفجر الريح بجلدي) للصحافية والشاعرة السورية الحساسة سوزان إبراهيم ويومياتها المؤثرة من دمشق خلال سنتي الحرب الأوليين 2011-2012. في اليوميات، تصف سوزان الأحداث عبر نثر شفاف، عاطفي ومريح. يأخذ النثر عالي القيمة فنيًا، بترجمة جديرة بالتقدير من قبل آنّا يانسون، القارئ عبر دوائر نزول طويلة لا ترحم إلى الجحيم، إلى عالم ممتلئ بالأنقاض، شارعًا شارعًا، بيتًا بيتًا. يصبح الجيران مُخبرين، ويتم اختطاف الشباب والعثور عليهم مشوّهين، كل ذلك مع قعقعة جافة ومكثفة من الأسلحة الآلية كخلفية وموسيقى تصويرية.يؤدي تفكك الهوية والانتماء إلى رد فعل ديني يعيد المجتمع إلى الوراء، حيث كل شيء مسموح، ولا شيء حقيقي. لكن الحرب والدمار ليست شأنًا سوريًا فقط. يمكنني سوق أمثلة كثيرة من الاقتباسات الشعرية المتلألئة ذات الإتقان الفني عالي المستوى بالتعامل مع هذه المأساة التي تتيح لنا رؤية كيف تدفع المفاهيمُ والأيديولوجيات والعقائد والسخريةُ الناسَ إلى صحراء الوحدة ليخرجوا إلى بحر من السفن المتسربة.● أحمد الجمَّال
أبطال الرواية شهود عيان على أحداث كثيرة غيّرت حياة السوريين للأبد