نيكولا كامو في أعالي جبال الألب المكسوة بالثلوج، تسبب ذوبان نهر جليدي بإزاحة الحدود بين سويسرا وإيطاليا، ما يجعل موقع نزل جبلي إيطالي موضع نزاع.يمتد الخط الحدودي على طول فجوة الصرف، وهي النقطة التي تتدفق فيها المياه الذائبة على جانبي الجبل باتجاه بلد أو آخر.
إلا أن تراجع نهر ثيودول الجليدي أدى إلى تقدّم مستجمعات المياه نحو نزل «Rifugio Guide del Cervino» المخصص للزوار بالقرب من قمة تيستا غريجيا التي يبلغ ارتفاعها 3480 متراً، وهي تكتسح تدريجياً المبنى من تحته.في مطعم النزل، يطلع السائح فريدريك «59 عاماً»على قائمة الطعام المكتوبة بالإيطالية لا بالألمانية، والمسعّرة باليورو لا بالفرنك السويسري.ولكن بعدما طلب شريحة فطيرة، وجه إلى موظف الصندوق السؤال الآتي «إذاً، هل نحن في سويسرا أم في إيطاليا؟».ومن المشروع طرح هذا السؤال لأن الموقع كان موضوع مفاوضات دبلوماسية بدأت في 2018 وانتهت بتسوية العام الفائت - لكن التفاصيل لا تزال سرية.
النوم على الجانب السويسري
عندما تم بناء النزل على نتوء صخري عام 1984، كانت أسرّته الأربعون وطاولاته الخشبية الطويلة تقع بالكامل في الأراضي الإيطالية.لكنّ النزل بات من الناحية الفنية يقع اليوم بنسبة الثلثين في جنوب سويسرا، بما في ذلك معظم الأسرّة والمطعم.وبرزت هذه المشكلة لأن المنطقة التي تعتمد على السياحة، تقع في أعلى أحد أكبر منتجعات التزلج في العالم، وتشهد أعمال تطوير بينها إقامة محطة تلفريك يجري بناؤها على بعد أمتار قليلة.وتم التوصل إلى اتفاق في فلورنسا في نوفمبر 2021 ، ولكن تفاصيل الاتفاق لن تُكشف إلا بعد أن تصادق عليه الحكومة السويسرية، وهو ما لن يحدث قبل عام 2023.وقال كبير مسؤولي الحدود في وكالة رسم الخرائط الوطنية السويسرية «سويستوبو» آلان ويشت لوكالة فرانس برس «اتفقنا على تقسيم الفَرق».وتشمل وظيفة ويشت رعاية سبعة آلاف علامة حدودية على طول حدود سويسرا غير الساحلية التي يبلغ طولها 1935 كيلومتراً مع النمسا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وليختنشتاين.وشارك ويشت في المفاوضات التي قدم فيها الطرفان تنازلات لإيجاد حل، وقال «حتى لو لم يخرج أي منهما رابحاً، لم يخسر أحد على الأقل».خط في الثلج
تتبع الحدود الإيطالية السويسرية التي تعبر الأنهار الجليدية في جبال الألب خط مستجمعات المياه.لكن نهر ثيودول الجليدي فقد ما يقرب من ربع كتلته ما بين عامي 1973 و2010، وقد أدى ذلك إلى ظهور الصخور الموجودة تحت الجليد، مما أدى إلى تغيير فجوة الصرف وإجبار الدولتين الجارتين على إعادة ترسيم نحو 100 متر من حدودهما.وقال ويشت إن تعديلات كهذه شائعة وتحصل باستمرار وتتم تسويتها عموماً من خلال مقارنة قراءات المساحين من البلدان الحدودية، من دون الرجوع إلى المسؤولين السياسيين.وقال «نحن نتنازع على أرض لا تساوي الكثير»، لكنه أضاف أن هذا «هو المكان الوحيد الذي أصبح فيه مبنى فجأة»، مما يضفي «قيمة اقتصادية» على الأرض.وامتنع نظراؤه الإيطاليون عن التعليق «بسبب الوضع الدولي المعقد».وأوضح رئيس «سويستوبو» السابق جان فيليب أمستين إن مثل هذه النزاعات يتم حلها عادة عن طريق تبادل قطع من الأراضي ذات المساحة السطحية والقيمة المكافئة.وأضاف أن سويسرا في هذه الحالة «ليست مهتمة بالحصول على قطعة من النهر الجليدي»، و«الإيطاليون غير قادرين على تعويض خسارة مساحة السطح السويسرية».القائمة والضرائب إيطالية
ومع أن نتيجة المفاوضات لا تزال سرية، أبلغ المسؤول عن النزل لوسيو تروكو «51 عاماً» أنه سيبقى على الأراضي الإيطالية.وقال «الملجأ لا يزال إيطالياً لأننا كنا دائماً إيطاليين».وأضاف «القائمة إيطالية، والنبيذ إيطالي، والضرائب إيطالية»، وأدى استمرار المفاوضات سنوات إلى تأخير تجديد النزل، إذ لم يكن في وسع بلديات القرى على جانبي الحدود إصدار رخصة بناء.لذلك لن تكتمل الأعمال في الوقت المناسب للافتتاح المقرر لعربة تلفريك جديدة أعلى الجانب الإيطالي من جبل كلاين ماترهورن في أواخر سنة 2023.ولا يمكن الوصول إلى المنحدرات إلا من منتجع التزلج السويسري زيرمات.بينما تستعد بعض المنتجعات المتوسطة الارتفاع لنهاية التزلج على جبال الألب بسبب الاحترار المناخي، ويمكن التزلج طوال فصل الصيف على منحدرات زيرمات-سيرفينيا حتى لو ساهمت هذه الأنشطة في تراجع النهر الجليدي.وقال تروكو «لهذا السبب يتعين علينا تحسين هذه المنطقة لأنها ستكون بالتأكيد آخر منطقة تتلاشى».أما في الوقت الراهن، فلا يزال الشريط الوردي الصلب للحدود السويسرية على خرائط «سويستوبو» خطاً متقطعاً أثناء عبوره النزل.