إبراهيم المليفي: أدب الرحلات يعاني الإهمال
«الرحالة قديماً كان يقوم برحلة قد لا يرجع منها حياً»
قال المليفي إن كتابه «كنا هناك: صراع مضى وإرث بقى» يتضمن 6 رحلات تتلمس بقايا الوجود الإسلامي في المناطق الأوروبية.
استضافت رابطة الشباب الكويتي الكاتب ورئيس تحرير مجلة العربي إبراهيم المليفي، لمناقشة كتابه (كنا هناك: صراع مضى وإرث بقى). في البداية، تحدث المليفي عن أدب الرحلات بشكل عام، قائلاً: «هو العنصر البارز في الأدب العربي في بداية تشكله، لكن للأسف الشديد تم إهماله لمصلحة أجناس أخرى. وكما هو معروف، الشعر كان الجنس الأدبي المهيمن لدى العرب، لكنه تراجع الآن لمصلحة الرواية، فاليوم لا يوجد اهتمام أو نقاش أو تركيز إلا على الرواية، وهذا الأمر ظلم الحقول الأخرى الموجودة في الأدب»، لافتا إلى «أننا اليوم نرى شعراء يتحولون إلى كُتاب روايات».وتابع: «وجدت نفسي في أدب الرحلات، وسرت عكس التيار، رغم أن هذا الأمر لم يكن بتصوري في بداية عملي بالصحافة من خلال جريدة آفاق الجامعية. أذكر في السنة الأولى بجامعة الكويت ما كنت لأقبل النقاش في فكرة تركي لرسم الكاريكاتير، وبعد مدة تقبلت فكرة العمل كصحافي مع استمراري في رسم كاريكاتير الصفحة الأخيرة حتى تخرجي. الصحافة من دون قراءة في مختلف المجالات تجعل من الصحافي مجرد (مفرغ) لأشرطة الكاسيت، لذلك لم يكن سهلاً الانتقال إلى الصحافة الثقافية من دون مخزون معرفي».
وانتقل المليفي للحديث عن الدور المهم الذي لعبته مجلة العربي في إحياء أدب الرحلة المعاصرة، من خلال باب الاستطلاعات الصحافية الذي أطلقته منذ عددها الأول الصادر في ديسمبر 1958، قائلاً: «لقد قامت مجلة العربي بعمل جبار فيما يخص أدب الرحلات، وفي عددها الأول نشرت أربعة استطلاعات دفعة واحدة، أشهرها كان زيارة بعثة مجلة العربي لجيش التحرير بالجزائر لتغطية أحداث الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، رغم أن (العربي) كمجلة ثقافية لا تخوض في السياسة، لكن الشعور القومي والعروبي في تلك المرحلة فرض نفسه في إطار قضية عادلة لا جدال فيها».
الشغف والفضول
وأكد أن أدب الرحلات يمتلك قدرة خاصة على جذب القراء، لأنه يحاكي شيئا مهما لديهم، وهو الشغف والفضول لمعرفة الغريب والمختلف لدى الآخر، ولكل كاتب طريقته، والإمكانيات التي تتوافر له تلعب دوراً كبيراً في النص الذي ينجزه.وتوقف المليفي عند مصطلح الرحلة المعاصرة، حيث أوضح أن الفارق يتجلى في عامل تطور المواصلات، الذي أتاح لرحالة العصر الحديث القيام بعدد غير محدود من الرحلات، ولأبعد الأماكن، في حين أن رحالة الزمن القديم كان يقوم برحلة واحدة، وقد لا يرجع منها حياً.وفي السياق ذاته، ذكر المليفي أن التخطيط المتعمق يمثل جانباً مهماً في نجاح الرحلة المعاصرة، وإذا ما تم ربط ذلك برؤية واعية، كالبحث عن مساحات للتفاهم مع الآخر، فسيكون الأثر كبيراً. وتابع: «تلك الرؤية إذا ما أخذت بعين الاعتبار تعداد سكان العالم، الذي يتوقع أن يصل في نوفمبر القادم إلى 8 مليارات نسمة يستهلكون موارد ناضبة، وفي ظل تنامي موجات التعصب والكراهية التي تفشت بدول عريقة في الديموقراطية والتسامح، فإننا سندرك أن أدب الرحلات سيكون له دور إيجابي في معركة نشر الوعي الساعي لتخفيف آثار حالة الاحتقان التي يعيشها العالم». وعن حروب المستقبل المتوقعة، قال: «من المتوقع أن يكون الماء هو وقود الحروب القادمة، وقد تكون المياه هي سبب الحرب القادمة مع الكيان الصهيوني بالدرجة الأولى».فترات زمنية متفاوتة
وأوضح المليفي أن كتابه (كنا هناك: صراع مضى وإرث بقى) يتضمن ست رحلات تجتمع كُلها بحثاً عن هدف رئيسي، هو تلمس بقايا الوجود الإسلامي في المناطق الأوروبية روحاً أو حرفاً، مئذنة أو نخيلاً، نشرت على مدى ست سنوات في مجلة العربي بين عامي 2005 و2011، ووقع الاختيار جغرافياً على الجُزر المهمة في البحر الأبيض المتوسط ودول استوطنها المسلمون لفترات زمنية متفاوتة ثم تركوها أو طردوا منها، ما عدا بلد وحيد لا يزال يشكل المسلمون غالبية سكانه، وهو البوسنة والهرسك.«سفرنامة»
ولفت إلى أن هذا الكتاب هو واحد من سلسلة أدب الرحلات «سفرنامة»، التي أبدع فيها الرحالة العرب، الذين يعتبرون من أهم من ساهم بتأسيس هذا النوع الأدبي من الكتابة، وقال: «أتشرف أن أكون من أحفادهم في زمن المواصلات السريعة». وأشار إلى أن كتابه ليس فقط رحلة في المكان، كما يبدو، لكنه استجلاء لروح الزمن، لتفاعل التضاريس مع سعي الإنسان، وهذا السعي هو الذي يصنع التاريخ. وأكد المليفي أن «الهدف الرئيسي من هذه الرحلات هو توصيل رسالة إلى القارئ العربي، وهو أملنا أن يكون هناك اهتمام بإيجاد المناطق التي فيها نوع من التواصل الحضاري بيننا وبين الآخر، ومن خلال تلك الرحلات سنكتشف الكثير من المعلومات». الإصدار الثالث عن رحلة كوبا
أعلن المليفي أن كتابه القادم سيكون الثالث في أدب الرحلات، وسيغطي المواضيع التي كتبها عن رحلته لكوبا، وسيصدر عن دار ذات السلاسل، وسيطلق بمعرض الكويت الدولي للكتاب القادم.