بقايا خيال: عادات كويتية وفوضى سياسية «لازم تتغير»!
تجلس مع كويتيين في دواوينهم فتشعر وكأنهم يؤمنون حتى الثمالة بالعدل والمساواة ويعشقون القانون، عندما يقرون، بحماس منقطع النظير، بضرورة تطبيق القانون على الجميع والتعامل مع أطراف أي قضية قانونية أو جريمة بموضوعية وبحيادية وتجرد مهما كانت النتائج، ولكن ما إن تبرز في الأفق قضية تتصل بقريب من أقربائهم من الدرجة الرابعة، حتى تجد هذا الكويتي المتشدق بالقانون متقدماً صفوف الباحثين عن الواسطة لهذا القريب لمنع نزول العقوبة عليه، حتى وإن علم علم اليقين أن قريبه مذنب وبالجرم المشهود. هذه السلوكيات، التي تمزق الشعوب وتهد أركان الأوطان، قسها على واسطات المناصب القيادية والمعاملات الإدارية والمالية وغيرها. حتى الانتخابات بكل أشكالها، سواء كانت لمجلس الأمة أو جمعية تعاونية أو نقابية، ترى فيها سرطان المحاباة والمحسوبية والقبلية والطائفية قد انتشر بين الناخبين وعشش بعيداً في أعماق عقولهم ليتجه كل واحد منهم نحو أقرب الناس إليه «جينياً» وفسيولوجياً وسيكولوجياً، بدلاً من الاهتمام بعنصر الكفاءة والخبرة والقدرة على الإنجاز والإخلاص في العمل والرغبة في العطاء لوطن كسرت مجاديف بنائه الفئوية والقبلية والطائفية لعقود مضت. أنا أعرف أن صناديق المال السياسي كثيرة ومتنوعة في مصادرها الداخلية وحتى الخارجية، وينفق ممولوها مبالغ يسيل لها اللعاب من أجل تغيير مسار قرارات مصيرية لبلدنا، ولا تستطيع السلطة أن تمنعها إلا بالبدء بنفسها وتطبيق القوانين بحذافيرها على نفسها لتكون مثالاً يحتذى في الرغبة الصادقة في الإصلاح السياسي والاقتصادي.
وإذا كنا نعرف أن تاريخ رئيس الحكومة الجديد الشيخ أحمد النواف يؤكد خبرته السياسية وقدرته على إعادة عربة الكويت إلى جادة الصواب، بعد سنوات من الانحراف، فإن أول خطوات الإصلاح تكمن في اعتماد رئيس الحكومة على عنصر الكفاءة بدلاً من المحاصصة، وعلى مبدأ الخبرة بدلاً من القبلية، وعلى تاريخ إنجاز الوزير الإداري والمالي بدلاً من الطائفية أو الفئوية. وإذا كان يؤمن بمبدأ الفصل بين السلطات ويرغب في تنفيذ «كل» ما جاء في خطاب صاحب السمو أمير البلاد، والذي ألقاه سمو ولي العهد نيابة عن سموه، حفظهما الله، قبل أكثر من شهر، فعليه ألا يصغي للتدخلات من خارج مجلس الوزراء، سواء كانت برلمانية أو من متنفذين، وحتى لو هدده البرلمان باستجوابات قد تعرقل مسيرته الإصلاحية، وبغير هذا لا فائدة ترجى من استمرار الوضع كما هو عليه، حينها ما على الكويت - وطناً ومواطنين - إلا التدثر ببطانية سعد زغلول ومواصلة التقهقر السياسي والاقتصادي والثقافي وحتى الرياضي. وبعد، فكيف نضمن نجاح رئيس الوزراء الجديد في مهامه المستحيلة لإصلاح أوضاعنا بينما نستمر نحن (حكومة وشعباً) في عملية فرض الترضيات القبلية والطائفية والمحاصصة عليه، ليجبر على اختيار وزراء غالباً ما لا يحققون التوافق داخل مجلس الوزراء، بل قد يعرقلون مسيرة الحكومة، ثم بعد ذلك نحاسب هذه الحكومة على إخفاقاتها، التي كنا ومازلنا نحن المتسببين في إلقائها في فوضى سياسية لا نهاية لها؟!