بعد ثلاثة أعوام من التصادم العنيف بين حراك «تشرين» الشعبي والتيار الصدري، أدت التطورات المتلاحقة في العراق إلى تقارب لافت بين الكيانات المدنية الاحتجاجية وأتباع مقتدى الصدر، مما يعني قدرة متزايدة للشارع المعارض على تعطيل محاولات حلفاء إيران، أي ما يعرف بـ«الإطار التنسيقي»، للسيطرة على السلطة مرة أخرى.مصادر من أجواء المشاورات أكدت لـ«الجريدة» أن حزب الدعوة والفصائل المسلحة الحليفة، صاروا «حائرين في كيفية عقد جلسة البرلمان لاختيار رئيس جمهورية وتمرير مرشحهم لتشكيل الحكومة».
وفاجأ التيار الصدري الجميع، عصر أمس الأول، باقتحام رشيق وسريع لمبنى البرلمان، بعد اجتياز الجدران شديدة التحصين المقامة حول المنطقة الخضراء حيث مقرات الدولة والبعثات الدبلوماسية، اعتراضاً على محاولة حلفاء طهران العودة إلى السلطة. وسهّلت قوات الأمن دخول المحتجين دون احتكاك يذكر، حتى انسحبوا بشكل منظم في توقيت متفق عليه مسبقاً، حسب مصادر في رئاسة البرلمان.ويحتفظ الصدر بعلاقة متينة مع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي. وظهرت شعارات وصور حراك «تشرين» المدني ضمن جموع الصدريين، ونشر قياديون في الكيانات المدنية بيانات تطابقت مع مواقف الصدر، الذي أعلن أن استقالة نوابه من البرلمان لا تعني تسليم العراق إلى «التوافقيين والفاسدين» في إشارة إلى رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي والفصائل المسلحة.
وبات لدى الصدر والحراك المدني برهان على إمكانية تعطيل أي جلسة للبرلمان يراد بها تشكيل حكومة جديدة. وطرح الصدريون شعار حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة، لكنهم تداولوا لأول مرة وإن بشكل غير رسمي، شعارات من قبيل «تعليق العمل بالدستور، وحل السلطة القضائية» التي اتهمها الصدر علناً بالانحياز لحلفاء طهران، في تفسير الدستور، بحيث سلبت منه حق تشكيل الحكومة، وأقرت الثلث المعطل على الطريقة اللبنانية.وكتب نائب مقرب من الصدر، أمس، أن التيار الصدري لن يقبل بتكرار سيناريو الإقصاء، الذي مارسته المحكمة العليا عام 2010 ضد زعيم القائمة العراقية إياد علاوي حين فاز بأغلبية مجلس النواب يومذاك، وبسبب تأويل للدستور خسر تلك الفرصة، وحظي غريمه نوري المالكي بولاية ثانية.وكتب غائب العميري، وهو نائب في البرلمان لكنه مقرب من الصدر «رئيس مجلس القضاء شريك فيما حصل... مثلما حرموا الكتلة الأكبر أيام إياد علاوي، بقرار قضائي مريب، حرمونا من استحقاقنا بقرار غاية في الريبة». وطلب الإطار التنسيقي جلسة نيابية تعقد غداً، لكن نشطاء في التيار قالوا لـ«الجريدة» إن خيام الاعتصام ستطوق البرلمان، وإنهم سيكررون «البروفا» بالعمل مع كيانات مدنية، وستكون القوات المسلحة إلى جانبهم لو حصل صِدام.ونشر نوري المالكي أثناء اقتحام الصدريين للمنطقة الخضراء، صوراً تعرضت للسخرية، يحمل في إحداها بندقية روسية وهو مغمض العينين، ويظهر في أخرى وهو مع حراسه حاملاً بندقية أميركية.وتحظى حركة الصدر رغم خطورتها، بتعاطف شعبي كبير، وسط حالة النقمة على الأحزاب الحليفةلإيران، إذ بات معارضوها الأبرز في مدن الجنوب ذات الأغلبية الشيعية، لا في مدن غرب البلاد ذات الطابع السني.وتذكر مصادر رفيعة أن إيران نفسها قلقة من سيناريو التصادم داخل المجتمع الشيعي، لكن الأمر وصل إلى مرحلة يصعب فيها تسوية الخلافات، لأن الصدر يطالب بنزع سلاح الفصائل كشرط لتشكيل حكومة جديدة، وهو أمر سيعني تجريد حلفاء طهران من أبرز عناصر قوتهم.