كانت المفاجأة عندما طالعت عريضة موقعة من مواطنين مقدسيين وغيرهم تم تسليمها لسعادة سفير الأردن لدى السلطة الفلسطينية في رام الله يطالبون فيها دولة رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة بالنظر في إعادة السماح لمواطني القدس المحتلة باستخدام جسر الشيخ حسين شمال فلسطين المحتلة للعبور من فلسطين إلى الأردن ذهاباً وإياباً.

ويبدو أن الرغبة لدى القائمين على جمع التواقيع هي الحصول على امتيازات خلال السفر عبر مركباتهم الخاصة متذرعين بقيمة رسوم السفر الباهظة التي تفرضها سلطة الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين العابرين على جسر الملك حسين (الكرامة) جنوباً، بمن فيهم المقدسيون، وقد صيغت العريضة بمضمون إنساني أغفل الجانبين السياسي والديموغرافي ووضع مدينة القدس الحساس في هذه المرحلة العصيبة.

Ad

كما تتزامن هذه المطالب التي كانت تجرم السفر عن طريق مطار اللد سابقاً مع أخبار مفادها أن شخصية مقدسية أو أكثر تعتزم خوض الانتخابات البلدية بتنظيم إسرائيلي، وهو ما حذرت منه حركة «فتح».

ومن متطلبات السفر عبر جسر الشيخ حسين استصدار (لاسيبسيه) إسرائيلية ليتمكن المعنيون بالأمر من السفر عبر الجسر المذكور.

معاناة أهلنا في مدينة القدس المحتلة التي هي جزء من الضفة الغربية المحتلة عام 1967 مفهومة، لأن الإجراءات التعسفية الإسرائيلية بفرض الرسوم الباهظة وظروف السفر القاسية المتخذة على جسر الملك حسين (الكرامة) تسبب معاناة شديدة بسبب اقتصار العمل على الجسر لساعات محدودة وليس على مدار 24 ساعة، وهو ما تذرع به القائمون على جمع تواقيع العريضة من نحو 175 مواطناً مقدسياً بعضهم يحملون جوازات سفر أجنبية.

غير أن تحويل سفر المقدسيين عبر نقطة عبور تسيطر عليها سلطة الاحتلال في الوقت الذي قامت بإلغاء دور السلطة الفلسطينية ووظيفة أفراد الأمن الفلسطيني في مرافق العبور على جسر الملك حسين (الكرامة) يخلق تناقضاً وانقساماً وطنياً في الرأي حول من يطالب بإعادة أفراد الأمن الوطني الفلسطيني على الجسر الجنوبي، ومن يطالب بالعبور تحت مظلة سلطة الاحتلال عبر الجسر الشمالي الذي دشن بعد توقيع الاتفاق الأردني- الإسرائيلي.

إن طلب استصدار «لاسيبسيه» من وزارة الداخلية الإسرائيلية وتحديد طريق السفر عبر جسر الشيخ حسين شمالاً لأهلنا المقدسيين دون بقية مواطني الضفة الغربية من شأنه خلق حالة فصل ديموغرافي بين القدس والضفة الغربية من ناحية، وفرض واقع إسرائيلي جديد بإجراءات السفر المتعلقة بالمقدسيين ومعاملتهم كمواطنين في المناطق التي يسيطر عليها كيان الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948، وهو ما يسعى لتكريسه من خلال مخططات متدحرجة لتحديد سفر المواطنين الفلسطينيين من خلال معابر ومطارات (رامون مثالاً) لتمرير مخططاته الاستعمارية.

ومن شأن الموافقة على طلب موقعي العريضة خلق حالة تمييز بين مواطني القدس ومواطني الضفة الغربية إذا ما سمح للمقدسيين بذلك، ما يعني فصلاً بين أبناء المواطنة الواحدة.

ويبدو أن الملابسات التي رافقت أسفار المقدسيين عبر الجسر، وانتهت بمنعهم من السفر عبر جسر الشيخ حسين تضيف تساؤلاً حول: لماذا لم تقدم العريضة لوزارة الخارجية الفلسطينية أو أي وزارة أخرى مختصة لترفعها رسمياً للجهات الأردنية المختصة؟

إن سلطة الاحتلال الإسرائيلي تسعى إلى تكريس القدس عاصمة لكيانها غير الشرعي في مدينة يعتبرها العالمان العربي والإسلامي رأس حربة في الصراع مع العدو الإسرائيلي.

ومن ضمن الخطط الإسرائيلية الخبيثة طرح مشروع يسمح للفلسطينيين باستخدام مطار (رامون) إلى دول العالم مباشرة، وهو ما يعني قطع التواصل بين الأردن وفلسطين التي اعتاد مواطنوها السفر إلى الأردن، سواء لغرض الزيارة أو الانتقال من عمان إلى دولة أخرى، وهو ما قد يلحق ضراراً بقطاع السياحة الأردني.

ونظراً لهذه التداعيات المريبة لهذا التحرك، فإن السلطة الوطنية الفلسطينية مطالبة بتحديد موقفها من هذه القضية، وألا تبقى متفرجة على تحركات غير محسوبة، كما يتحمل الموقعون على العريضة مسؤولية وطنية تتطلب إعادة النظر في طلبهم هذا، سيما أن الجانب الإسرائيلي لا يعترض على مطالبهم.

ويبقى القرار أولاً وأخيراً شأناً أردنياً، وإن الجهات المختصة الأردنية تعي دورها الوطني تماماً إزاء الوضع الحساس في مدينة القدس المحتلة، كما تراعي العلاقات الأردنية – الفلسطينية التي تمر بأحسن أحوالها، وخصوصا مع التنسيق المستمر حول الأوضاع في مدينة القدس المحتلة والوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها.

إلى ذلك... لا يمكن فهم سبل الحلول للتخلص من صنيع جيش الاحتلال وحكومته العنصرية بتوقيع العرائض بدلاً من سلوك الطرق القانونية والرسمية، كما أن علينا نحن الفلسطينيين خلق توازن واعٍ بين متطلبات المصلحة الشخصية ومقتضيات المصلحة الوطنية العليا، وألا نبادر إلى إحراج الأردن الذي نعتز بمواقفه الرسمية والشعبية تجاه مدينة القدس.

* كاتب صحافي فلسطيني

جودت مناع *