على وقع شلل تام يشهده العراق منذ 10 أشهر وعجزه عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتسمية رئيس حكومة، صعّد زعيم التيار الصدري النافذ مقتدى الصدر حملة الضغط القصوى على الإطار التنسيقي الشيعي، ووضع خصومه، الموالي معظمهم لإيران، في مواجهة محفوفة بالمخاطر مع حشود غاضبة لم تتردد في اجتياح المنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد للمرة الثانية خلال أيام، واقتحام البرلمان والاعتصام داخله، مع تطويق مبنى المجلس الأعلى للقضاء في رسالة واضحة تؤكد تمدد موجة الاستياء الشعبي من كل أجهزة الدولة إلى نظام المحاصصة الطائفي المعمول به منذ سقوط صدام حسين في 2003. ونفّذ الصدر تهديداته ودخل الآلاف من أنصاره إلى المنطقة الخضراء، واستقروا في مبنى البرلمان، واعتصموا فيه؛ لفرض إصلاحات عميقة، دون أن ينفي ذلك احتمالات أن ينسحبوا ثانية كما حصل الأربعاء الماضي، أو كما فعلوا حين دخلوا المكان ذاته عام ٢٠١٦، ثم أخلوه دون صدامات تُذكَر.
وقال مصدر سياسي رفيع لـ «الجريدة»، إن الصدر لم يجازف بهذه الخطوة بهدف الضغط لتنظيم انتخابات مبكرة، ولا لمنع حلفاء طهران في «الإطار التنسيقي» من تشكيل حكومة جديدة، «بل ذهب لأبعد من ذلك بكثير، نحو المس بنوع النظام السياسي وإجراء جراحة قيصرية للدستور نفسه. الأمر وصل إلى ما هو بمثابة انقلاب لإصلاح النظام».ودعا الجناح المعتدل في «الإطار» إلى التحرك العاجل لإطلاق حوار وطني؛ لمنع الاحتكاكات من التحول إلى «حرب داخلية شيعية»، بعد ليلة أغلق فيها أنصار الصدر معظم مكاتب زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، لانتقاده فكرة اقتحام البرلمان. وحذّر رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي من «فتنة حارقة»، داعياً إلى حوار عاجل، وسط اتهامات يوجهها إليه حلفاء طهران بأنه يسهّل دخول أنصار الصدر إلى البرلمان.
ويحاول كبار القادة أن يفهموا الموقف الإيراني الذي وصفوه بـ «الغامض»، فإذا رفضت طهران خطوة الصدر فيمكنها أن تقود الفصائل في حرب أهلية ضد التيار، حفاظاً على نفوذها، أما إذا قررت التعايش مع «انقلاب الصدر» والقبول بعلاقة مميزة مع عراق مستقر بدلاً من نفوذ مكلف ومرفوض شعبياً في بغداد، فإن هذا يعني بدء مرحلة جديدة سيقبلها الأكراد والسُّنة، حسب تعبير المصادر السياسية.في مقابل ذلك، يرجح مصدر مقرب من الحكومة، أن الصدر يضغط فقط، ولا يريد فرض معادلة انقلابية ضد النظام، وإذا حصل على ضمانات بإصلاحات تقيد نشاط الفصائل المسلحة خصوصاً، فإنه سيطلب من أتباعه العودة إلى الهدوء.لكن شهود عيان قالوا لـ «الجريدة»، إنه لأول مرة، ينقل الصدريون معدات ثقيلة ومواد بناء ومؤناً غذائية تكفي للصمود طويلاً، داخل مبنى البرلمان والمنطقة المحيطة، مما يوحي بتنظيم اعتصام طويل الأمد.وتحدث مصدر سني رفيع عن موقف إيران، قائلاً إن «الإطار التنسيقي يعتقد أن طهران معهم، كما أن أجواء الصدر ترى أن إيران أبلغتهم أنها على الحياد في هذه المواجهات».وفي بياناتٍ نقلها أتباعه، قال الصدر، إنه لم ينقلب على الدولة، بل يقوم بحمايتها، إذ يرى أن الانقلاب على البرلمان الحالي، هو إنقاذ للدولة من الفصائل الموالية لـ «الحرس الثوري» الإيراني والقادمة للاستيلاء على الدولة. ومن جهته، طالب صالح محمد العراقي الملقب بوزير الصدر، مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة بدعم الشعب العراقي. وذكر العراقي، في بيان، أن من يكسر هيبة الدولة هو الطرف الذي يستخدم الكاتيوشا والطائرات المسيرة وتخريب العلاقات مع الطوائف الأخرى في أربيل والأنبار، مضيفاً: «ما نقوم به هو حماية المؤسسات من الفساد، ولكي لا تُكسَر هيبة الدولة». وذكرت مصادر في بغداد أن حلفاء إيران منقسمون بنحو حاد في كيفية الرد على احتلال الصدر للبرلمان، ورغم وجود جناح متشدد يطلب الاشتباك مع الصدر لأنها «معركة وجود»، فإن طرفاً آخر، يمثل منظمة بدر وتيار الحكمة، يطلب إطلاق حوار سريع، وتجنب أي احتكاك في الشارع. في المقابل، دعا «الإطار» أنصاره إلى النزول في تظاهرات مضادة، وطالب المرجع الأعلى السيد علي السيستاني بالتدخل؛ لتفادي إراقة الدماء، محمّلاً الصدر المسؤولية عن ذلك إن حدث.أما نوري المالكي فحث على «الحوار والتسامح للخروج من الأزمة»، معتبراً أن السلطة التشريعية سقطت، في حين أعلن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي تعليق الجلسات إلى أجل غير مسمى.