في الانتخابات معظم الناخبين يطالبون بالمرشح الذي وصفته الآية الكريمة «إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ»، ويقسم العضو على أن يؤدي أعماله بالأمانة والصدق واحترام الدستور وقوانين الدولة في أول جلسة، ولكن كثيراً من الناس لا يدقق في مدى التزام بعض الأعضاء بحقيقة الصدق والأمانة، مما أدى إلى انحرافات مشهودة، لأن مخالفة الدستور وقوانين الدولة ليست من الأمانة والصدق مهما كانت المبررات والمصالح.وكذلك من الناس من يخطئ في معنى «القوي»، فيعتقد أن القوي هو الذي يقف ضد الحكومة دائماً، وهناك من يعتقد أن القوي هو الذي يقف ضد الجماعات السياسية الأخرى من الإسلاميين والليبراليين والتجار، وهناك من يعجب بالمرشح كثير الاستجوابات أو كثير الصراخ والهجوم واستخدام الألفاظ الجارحة واتهام المناوئين، فهو القوي في نظرهم، وكل هذا غير صحيح، لأن القوي المقصود شرعاً هو الذي يسعى إلى الصواب وتحقيق المصلحة العامة حسب الشرع في كل موضوع أو قضية سواء وافق هذا الحكومة أو المناوئين أو خالفهم.
فمن المعلوم أن المجلس تعرض عليه كل أمور وقضايا البلاد الاقتصادية والقانونية والشرعية والصحية وغيرها أثناء مناقشة القوانين والاستجوابات، ولا يوجد نائب قوي، أي خبير، في هذه الأمور كلها، لذلك فإن أول شروط القوة هو التعاطي مع الموضوع المطروح بأمانة، ودراسته بدقة مع الاستعانة بالمتخصصين الثقات من كل جوانبه، ثم الأخذ بما يتبين من حلول ومواقف تحقق المصلحة العامة الحالية والمستقبلية وتدرأ المفسدة، إذاً فليس من القوة أخذ الرأي من غير المتخصصين ولو كثروا، وليس من القوة الشرعية أخذ الرأي ممن لهم مصلحة أو خصومة في الموضوع، وليس من القوة التأثر بما يشيعه المجاهيل أصحاب الحسابات الوهمية، لأن كثيراً من الآراء الشائعة والمتداولة قد يثبت العلم خطأه الفادح، وقد تُسعد بعض المواطنين مؤقتاً ولكن يثبت ضررها على المستقبل، وتنص القاعدة الشرعية على أنه لا ضرر ولا ضرار (حديث حسن)، فعلى النائب القوي من المنظور الشرعي أن يتصدى للضرر الحاضر والمستقبلي برؤية علمية ثاقبة ولا يتأثر بضغوط الحكومة أو المطالبين أو المطبلين أو المثبطين.وقد يميل الرأي السليم فنياً، حسب إفادة المتخصصين، مع رأي الأقلية أو الحكومة، فهنا لا يصح أن يخجل أو يخاف القوي من الاصطفاف مع الرأي الصحيح، حتى وإن كان رأي الحكومة أو رأي الأقلية أو كان غير شعبي، ومثال على ذلك انحياز جمع من خيرة أعضاء المجلس إلى شطب استجواب الأخ حسين القلاف في مجلس 99 لمخالفته الدستور واستقلال القضاء، وكذلك ثناء وتأييد جميع الأعضاء للقانون 2004/31 الذي قدمته كوزير للعدل في الحكومة، والذي يقضي بتنفيذ الأحكام الابتدائية على المتهمين الهاربين في قضايا الأموال العامة، ومصادرة أموالهم، والذي يطبق حالياً على الرجعان، ومثل ذلك أيضاً تصويت جمع من النواب المتميزين الثقات مع قانون صندوق المتعثرين بدلاً من سداد القروض من المال العام. وكذلك الأمر بالنسبة إلى موضوع الفساد، فالقوة تقتضي طرح الموضوع في المجلس ولكن ليس بالسباب والصراع وإنما بالتحقيق الفني وجمع الأدلة واكتشاف محاولات إخفائها، وذلك بإجراءات دقيقة في الأسئلة ولجان التحقيق بكل شجاعة مهما بلغت قوة ومكانة المفسد، ثم تقديمها للقضاء كما كان يتم بحرفنة في بعض المجالس السابقة. ومن القوة أيضاً أن يتم التعاون مع الكتل النيابية الأخرى لتحقيق مصلحة عامة دون الالتفات إلى من يعيب ذلك، ففي استجواب وزير العدل عام 1985 شارك الأخ مبارك الدويلة والأخ أحمد الربعي في استجواب أعده حمد الجوعان، رحمه الله، وشارك الأخوان محمد المرشد وفيصل الصانع، رحمه الله، في استجوابي لوزير المواصلات عام 1986، وأيضاً أيد الأخ سامي المنيس، رحمه الله، اقتراحي الخاص بالتأمين الصحي للوافدين، وتصدى بالرد على المعارضين، مما أدى إلى إيراد للدولة بحوالي 150 مليون دينار سنوياً، وكذلك ثنائي على اقتراح غرفة التجارة بزيادة القيم الإيجارية على أملاك الدولة، ومطالبتي بالزكاة الشرعية بدلاً من مطالبة الغرفة بالضرائب، فالنائب القوي الأمين لا يهمه من أين أتى الاقتراح، ومن قدمه مادام مشروعاً ويحقق مصلحة البلد. وهكذا فإن شعار القوي الأمين يجب أن يستند إلى عمل تشريعي ورقابي أمين وفني ودقيق يجلب المصلحة حالياً ومستقبلاً ويدرأ أي ضرر متوقع، ثم الإعلان عنه بشجاعة والجهر به دون خوف، كما جاء في الحديث الصحيح «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا نخاف في الله لومة لائم».
مقالات
رياح وأوتاد: القوي الأمين ولوم اللائمين
01-08-2022