عن الإبادة الجماعية
جاء الحديث في الأسابيع الماضية عن جريمة خطيرة وهي «الإبادة الجماعية» في مناسبتين، أولاهما رفض محكمة العدل الدولية في 22/7/2022، الاعتراضات الأولية لدولة ميانمار بخصوص القضية التي رفعتها دولة غامبيا، وبتأييد من منظمة التعاون الإسلامي والتي تجمع 57 دولة إسلامية موزعة على أربع قارات، بخصوص اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.وتتعلق هذه القضية بالإبادة الجماعية التي راحت ضحيتها الأقلية العرقية (الروهينغا) في ولاية راخين التي تقع على الساحل الغربي من ميانمار، أرادت هذه الأخيرة أن تعترض على اختصاصات هذه المحكمة الدولية في النظر بما ارتكبته القوات العسكرية في حق هذه الأقلية الإثنية.وسبق لمحكمة العدل الدولية أن استمعت إلى اعتراضات ميانمار، في الشهر الثاني من هذا العام، واستمعت أيضاً إلى رد غامبيا. وبفضل هذا القرار الأخير لهذه المحكمة، فإنها ستنظر في جريمة الإبادة الجماعية، وتطبيقاً لما جاء في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والتي تم اعتمادها في 9/12/1948، ودخلت حيز النفاذ في 21/1/19951، ولم تصادق عليها إلا 17 دولة عربية من أصل 22 دولة!
ومن الضروري أن نذكر بما نصت عليه المادة الثانية من هذه الاتفاقية:«في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه: (أ) قتل أعضاء من الجماعة. (ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة. (ج) إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً. (د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة. (هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى».وتتمثل المناسبة الثانية التي جاء فيها ذكر «الإبادة الجماعية»، ضمن الاعتذار الذي تقدم به الحبر الأعظم رئيس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس، في أثناء الزيارة التي قام بها لكندا الأسبوع الفائت، بخصوص ما جرى في المدارس الداخلية للسكان الأصليين الكنديين واصفاً ما حدث في الفترة ما بين 1881 و1996 بـ «الإبادة الجماعية»، حيث تم فصل أكثر من 150 ألف طفل من أبناء الشعوب الأصلية في كندا خلال تلك الفترة عن عائلاتهم في مرحلة أولى، وتم إحضارهم لاحقاً إلى مدارس داخلية كندية. وكان الكثير من هؤلاء الأطفال ضحايا للتجويع والضرب والاعتداء الجنسي، والغريب أن ما حدث ليس موغلاً في التاريخ، ربما البدايات، لكن أن يكون هؤلاء الأطفال ضحايا هذه الممارسات حتى عهد قريب بتسعينيات القرن الفائت، فهذا بالفعل أمر عجيب وخطير أيضاً.لقد كانت لفتة إنسانية وتاريخية من قبل البابا الذي تحلى بالشجاعة، كعادته في العديد من المناسبات، ليقول الحقيقة ويصف واقع الأمور، فهل يتحلى قادة الدول الاستعمارية ودول أخرى بنفس الشجاعة للاعتراف بما حدث في القارة الأميركية شمالها وجنوبها في حق سكان الأصليين من مختلف الأعراق، وما حدث أيضاً في الدول الإفريقية والآسيوية التي كانت شعوبها، وفي مراحل وتواريخ مختلفة، ضحايا لجريمة «الإبادة الجماعية»؟!* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا