أزمة الطاقة عالمية وحرب أوكرانيا تمددها
بينما تستعمل روسيا إمدادات الغاز ورقة ضغط على أوروبا، يبدو مستقبل الطاقة مقلقاً في هذه القارة، والمشكلة لا تقتصر على الأوروبيين، إذ بدأت أسعار الغاز الطبيعي والنفط تُحلّق وتُحدِث اضطرابات كبرى في جميع أنحاء العالم منذ أشهر، واليوم يحذر الخبراء من عدم انتهاء الأزمة قريباً وسط استمرار الحرب في أوكرانيا.من الإكوادور إلى جنوب إفريقيا، غرقت البلدان التي تتكل على الواردات في اضطرابات اقتصادية حادة بسبب نقص الوقود وانقطاع التيار الكهربائي، فبدأت الحكومات اليائسة هناك تتخبّط لإيجاد حلول بديلة. ففي سريلانكا التي تتعامل أصلاً مع أزمات متزايدة، اضطرت السلطات لإصدار أوامر رسمية بالعمل من المنزل بسبب نقص المواد الحاد والطوابير الطويلة في كل مكان. كذلك، قررت باكستان تقصير أسبوع العمل لتخفيف الضغوط المشتقة من انقطاع التيار الكهربائي فترات مطوّلة. وتشهد بَنَما من جهتها تظاهرات حاشدة بسبب ارتفاع الأسعار.
وسبق أن غرقت بلدان كثيرة في الظلام، إذ تشهد جنوب إفريقيا انقطاعاً متكرراً للتيار الكهربائي وهي تتعامل مع واحدة من أسوأ أزمات الطاقة في تاريخها، والوضع مشابه في كوبا التي تعاني أصلاً بسبب انقطاع الكهرباء على نطاق واسع.لتجنب هذا المصير، لجأت دول أخرى إلى الفحم، ووسط تفاقم أزمة الطاقة في شهر مايو الماضي، تعهدت الهند بإعادة فتح مناجم الفحم وتكثيف الإنتاج، وفي شهر يونيو، بلغت واردات الفحم مستويات قياسية في الهند. وخلال الشهر الماضي، حذر وزير الطاقة الهندي راج كومار سينغ، من استمرار هذا الوضع فترة طويلة.برأي حليمة كروفت، خبيرة في مجال الطاقة في بنك RBC Capital Markets، تُعتبر هذه الاضطرابات جزءاً من التداعيات الكبرى للغزو الروسي لأوكرانيا الذي أدى إلى زعزعة أسواق السلع واضطراب الاقتصاد العالمي، وبعيداً عن قطاع الطاقة، يؤمّن هذان البلدان نسبة كبيرة من صادرات القمح العالمية ويؤديان دوراً أساسياً في إنتاج الأسمدة.وترى كروفت أن المشكلة لا تقتصر على إمدادات النفط أو الغاز، بل تتعلق أيضاً بمنتجات زراعية أساسية وبأزمة غذائية عالمية مرتقبة، وهذا الوضع ينطوي على مخاطر سياسية محتملة لأنه يُسبّب مأساة كبرى لشريحة واسعة من المواطنين.وبعدما رفضت الدول الأوروبية إمدادات النفط الروسية، بدأت الصين والهند تستهلكان مخزونهما الأقل كلفة وأصبحت موسكو اليوم أكبر موردة لبكين، لكن لا تعني زيادة الاستهلاك أن الصين والهند لا تتكبدان أي خسائر اقتصادية بسبب الانكماش الحاصلن فعلى الرغم من قرار روسيا تخفيض أسعار منتجاتها، يدفع هذان البلدان أسعاراً باهظة مقابل واردات الطاقة الأخرى. وفي هذا السياق، يقول فرناندو فيريرا، مدير دائرة المخاطر الجيوسياسية في «مجموعة رابيدان للطاقة»: «نحن نتعامل مع تداعيات مالية لا ترتبط بالكامل بواردات النفط الروسي، حتى لو أصبحت أسعارها مُخفّضة جداً».وقد تواجه تلك الأسواق صدمة أخرى خلال الشتاء المقبل، تزامناً مع تطبيق مجموعة كاملة من التدابير الأوروبية التي تستهدف النفط الروسي. لتقليص أي زيادة محتملة في الأسعار، وقد بدأت إدارة بايدن تتخبّط لوضع خطة تهدف إلى تحديد سقف لأسعار النفط الروسي، لكن تتعدد العوائق التي تحول دون تحقيق هذا الهدف.وترى كروفت «أننا قد نواجه اضطرابات متزايدة في سوق الطاقة وارتفاعاً متواصلاً لأسعار النفط بحلول شهر ديسمبر المقبل، ويتوقف الوضع على طريقة تطبيق هذه العقوبات».أخيراً، يقول الخبراء إن مستقبل الأزمة يتوقف في المقام الأول على مدة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، علماً أن جميع المؤشرات لا تنذر بانتهاء الحرب حتى الآن. ويعتبر فيريرا أن «الأزمة ستبقى قائمة طالما تستمر هذه الحرب. لكن لا شيء يثبت أننا نقترب من نهاية هذا الصراع».* كريستينا لو