في خطوة ترمي إلى ضبط ايقاع التصعيد الميداني الذي أفضى إلى احتلال مقر البرلمان العراقي، السبت الماضي، بهدف قطع الطريق على جهود نواب «الإطار التنسيقي الشيعي» الرامية لتكليف محمد شياع السوداني، الموصوف بأنه ظل رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، بتشكيل الحكومة الجديدة، وجّه التيار الصدري أنصاره المعتصمين بمجلس النواب إلى إخلاء مقر السلطة التشريعية والاعتصام حوله.

وقال محمد العراقي، المقرّب من زعيم التيار مقتدى الصدر، عبر «تويتر» أمس: «بعد تحرير مجلس النواب وتحوّله إلى مجلس للشعب، تقرر ما يلي، أولا: إخلاء مبنى البرلمان، وتحوّل الاعتصام أمام البرلمان وحوله خلال مدة أقصاها 72 ساعة من تاريخ هذا المنشور».

Ad

وأضاف: «ثانيا: إن كانت هناك أماكن أخرى ينبغي الاعتصام أمامها، فستأتيكم التعليمات تباعاً. ثالثا: ديمومة الاعتصام مهمة جداً لتتحقق مطالبكم، لذا يجب تنظيمه على شكل دفعات، مع بقاء زخم الأعداد في أوقات محددة. رابعاً: إقامة صلاة الجمعة الموحدة في بغداد وبابل والكوت وكربلاء والنجف. خامسا: نحن في طور تشكيل لجنة من المحتجين لإدارة الاحتجاجات وتنظيمها والاهتمام بكل ما يلزم».

في موازاة ذلك، أفاد النائب المستقيل عن الكتلة الصدرية، حيدر المنصوري، بأن التظاهرات مستمرة، ولا يوجد سقف زمني لها، مشيراً الى أن هدف الاحتجاجات هو تغيير النظام السياسي، المبني على الفساد والمحاصصة طوال الفترة السابقة، وبناء منظومة سياسية جديدة، تعتمد على دستور جديد ومنظومة مؤسساتية للدولة.

تفادٍ وتصدع

وجاءت خطوة الصدر، على ما يبدو، لتفادي انزلاق الأزمة السياسية، التي بدأت منذ 10 أشهر بعد انتخابات تشريعية أسفرت عن نتائج غير حاسمة، إلى مواجهة فوضوية بين شارعين محتقنين، غداة تظاهرات محدودة، نظّمها أنصار «الإطار التنسيقي» بمحيط المنطقة الخضراء التي تضم مقر البرلمان والمحكمة الاتحادية والمقار الحكومية والدبلوماسية، وسط بغداد.

وأظهرت المواقف المتباينة لقادة «الإطار» الذي يضم قوى حليفة لإيران، بمواجهة تحركات الصدر الميدانية التي نجحت بالتحشيد في بغداد وعدة محافظات أخرى بشكل لافت، احتمال تصدعه. ولم تخرج في تظاهرات «الإطار» أعداد كفيلة بمواجهة المد البشري للتيار الصدري، حيث اقتصر المشاركون على جمهور «حزب الدعوة» بزعامة المالكي، وأعضاء جماعة «عصائب أهل الحق»، بزعامة قيس الخزعلي، وكذلك جمهور «تيار الحكمة» بقيادة عمار الحكيم، فيما تجنبت القيادات الأخرى داخل «الإطار» التعليق على التظاهرات أو المشاركة فيها، مما يشير بوضوح إلى تباينات حادة. وكان المسؤول العسكري لميليشيا «كتائب حزب الله»، أبو علي العسكري، قد أكد أنه «لا علم لهم بدعوة التظاهر على أسوار المنطقة الخضراء».

ومع إصرار الصدر على استمرار الاعتصام، حتى تغيير العملية السياسية، واشتداد الأزمة، وتزايد الدعم الشعبي والعشائري لتياره في عموم المحافظات، بدت مواقف زعامات «الإطار» منقسمة بثلاثة اتجاهات: الأول يمثّل الاتجاه المتطرّف، ويقوده المالكي والخزعلي، والآخر الاتجاه المعاكس الذي يرفض التصعيد، ويبحث عن فتح حوار مع الصدر لإنهاء الأزمة، ويمثّل هذا الاتجاه زعيم تحالف الفتح، هادي العامري، وعمار الحكيم، وزعيم ائتلاف النصر، حيدر العبادي. والاتجاه الثالث هم المتفرجون، الذين لم يتبنوا موقفاً واضحاً، لا ضد الصدر ولا مع المالكي والخزعلي، ولم يعترضوا على دعوات الحوار، وهذا الطرف تمثّله بعض الفصائل المسلحة المنضوية ضمن «الإطار».

دعوة الكاظمي

في غضون ذلك، أفاد مصدر في مجلس الوزراء العراقي، أمس، بأن رئيس الحكومة المؤقت مصطفى الكاظمي يتحرك لعقد اجتماع طاولة مستديرة لجمع الفرقاء في العملية السياسية لتفادي إراقة الدماء والفوضى. وأوضح أن رئيس مجلس الوزراء دعا في بيان: «جميع الأطراف إلى التهدئة، وخفض التصعيد؛ للبدء بمبادرة للحل على أسس وطنية، وعدم الانسياق نحو الاتهامات، ولغة التخوين، ونصب العداء والكراهية بين الإخوان في الوطن الواحد».

وبعد ساعات من دعوة الكاظمي، ألمح القيادي في التيار الصدري، جابر الخفاجي، أمس، إلى رفض المبادرة. وقال الخفاجي في بيان إنه «لا نقبل بأي حلول ترقيعية، ولا جلوسا على طاولة مستديرة، ولا بدّ من تغيير جذري» في النظام والدستور.

وعلل رفض مبادرة الكاظمي قائلا إن «الشعب أصبح لا يتحمل ولا يتقبل وجود السرّاق، وقد سئمَ العيش مع التبعية والعملاء، وهو ينظر أمام عينه بلده يُسرق، وتتحكم به دول الجوار».

صيغة حل

من جهته، أعلن رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، تأييده لمبادرة الكاظمي لإيجاد «صيغة حل والمضي بخطوات عملية، وصولاً إلى انتخابات نيابية ومحلية مبكرة وفق توقيتات زمنية محددة». على الصعيد الدولي، أيّد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أمس، مبادرة رئيس الوزراء العراقي، مشدداً على «ضرورة أن يسود الهدوء وضبط النفس».

كما دعت وزارة الخارجية التركية الأطراف إلى ضبط النفس، معربة عن أملها في تشكيل حكومة شاملة.