بعد مغادرة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، تايوان، لمواصلة جولتها الآسيوية، ضيّقت السلطات الصينية الخناق على الجزيرة عسكرياً واقتصادياً، واستدعت سفير واشنطن نيكولاس بيرنز، للاحتجاج على أرفع زيارة يقوم بها مسؤول أميركي للجزيرة منذ ربع قرن. وأوقفت الصين بعض التعاملات التجارية مع تايوان رداً على زيارة بيلوسي، مع التلويح بفرض المزيد من العقوبات التجارية. وشمل وقف المعاملات قطع الأسماك والفاكهة والرمال الطبيعية المستخدمة في البناء وفي تصنيع أشباه الموصلات أحد أكبر صادرات الجزيرة، التي تصنع نحو 60 في المئة من إنتاج العالم من أشباه الموصلات الأكثر تطورا والتي تعتمد عليها العديد من الصناعات التكنولوجية الحديثة.
وشددت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، هوا تشونيينغ، على أن المناورات التي تجري بالذخيرة الحية في مضيق تايوان الذي يفصل الجزيرة عن البر الرئيسي للصين «ضرورية ومشروعة لتوفير حماية حازمة للسيادة الوطنية». وقالت: «في الصراع الحالي المحيط بزيارة بيلوسي لتايوان، فإن الولايات المتحدة هي المحرّض، الصين هي الضحية».وتوعد وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، في بيان، اليوم، بمعاقبة من يسيء إلى بكين. وقال على هامش اجتماع لرابطة دول جنوب شرق آسيا في بنوم بنه: «هذه مهزلة خالصة. الولايات المتحدة تنتهك سيادة الصين تحت ستار ما يسمى بالديموقراطية. سيُعاقب الذين يسيئون للصين حتماً».ورأى أن تصرفات بيلوسي «أثبتت مرة أخرى أن بعض السياسيين الأميركيين أصبحوا مثيري شغب». وأكد وانغ أن إعادة توحيد تايوان مع الصين «أمر حتمي»، محذراً واشنطن من «التلاعب» بالوضع الجيوسياسي في المنطقة.وأوضح وانغ أن محاولة واشنطن إدخال تايوان ضمن استراتيجيتها الإقليمية في المنطقة «تضخم التوترات وتؤجج المواجهة»، واصفاً هذا التوجه بـ»الخطير جداً والغبي». واتهمت الخارجية الصينية واشنطن بأنها أصبحت «أكبر مدمر» للسلام والاستقرار الإقليمي عبر مضيق تايوان. وأبلغ نائب وزير الخارجية شي فينغ، السفير الأميركي بأن زيارة بيلوسي لتايوان «شريرة للغاية»، وأن عواقبها ستكون «وخيمة جداً».
معركة دبلوماسية
وأطلقت الدبلوماسية الصينية حملة للحصول على التضامن من دول العالم ولتحذير العواصم التي تساند واشنطن بملف تايبيه.وحذرت وزارة الخارجية الصينية، وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك من «عواقب التصريحات المتهورة بشأن تايوان، والتي وصفتها بأنها لا تتوافق مع الحقائق الحقيقية. وقبلها، حذر السفير الصيني لدى بريطانيا، جونغ تسي غانغ، من رد صيني صارم إذا أقدم مشرعون بريطانيون على زيارة مماثلة لتايوان.كما أكد الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، أن موقف الجامعة «يقوم على دعم سيادة الصين ووحدة أراضيها والالتزام الثابت بمبدأ الصين الواحدة»، مؤكدا تطلعه إلى «انفراجة سريعة للأزمة الخاصة بتايوان».وجاءت تصاعد الغضب الصيني، بالتزامن مع تأكيد بيلوسي، التي تقود وفداً يضم خمسة أعضاء آخرين في «الكونغرس» الأميركي، اليوم، خلال مؤتمر مشترك مع رئيسة تايوان، تساي إينغ وين، أن زيارتها للجزيرة توضح «بشكل لا لبس فيه أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن تايوان». وأشارت بيلوسي إلى أن تضامن واشنطن مع تايوان أمر بالغ الأهمية الآن أكثر من أي وقت مضى، مضيفة أن عزم واشنطن على الحفاظ على الديموقراطية في تايوان وبقية العالم لايزال صلبا.في غضون ذلك، أعلنت وزارة الدفاع التايوانية، أن المناورات الصينية، التي تستمر حتى الأحد المقبل، تنتهك المياه الإقليمية للجزيرة. ووصفت ذلك بأنه «عمل غير عقلاني يهدف إلى تحدي النظام الدولي».وذكرت سلطات تايوان ليل الثلاثاء الأربعاء أن 21 طائرة عسكرية صينية دخلت منطقة تحديد الدفاع الجوي للجزيرة، وهي منطقة أكبر بكثير من مجالها الجوي. ولاحقاً، أفادت بأن نحو 16 خطا ملاحيا جويا سيتأثر بسبب المناورات الصينية الواسعة.ومع تصاعد حدة التوتر بالمنطقة، نشرت وزارة الدفاع التايوانية، مقطع فيديو بمعدات عسكرية للقوات المسلحة بالجزيرة.ويظهر مقطع الفيديو سفناً حربية، وطائرات هليكوبتر، وطائرات وغواصات من تايوان، مع ترجمة مصاحبة تقول إن «تايوان مستعدة للدفاع عن وطنها ليلا ونهارا. لا نريد القتال لكننا لن نتختبئ منه».قلق ودعم
ووسط مخاوف من أن تفاقم الأزمة الجيوسياسية التي تأتي بالتزامن مع الحرب الروسية الأوكرانية وتحركات واشنطن لتشكيل تحالف إقليمي بمواجهة تمدد نفوذ بكين في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، أوضح مسؤول بالخارجية الأميركية أن الوزير انتوني بلينكن ليس لديه خطط للقاء نظيريه الصيني أو الروسي في كمبوديا خلال حضوره قمة رابطة «آسيان» الأسبوع الحالي.وفي حين واصلت رئيسة مجلس النواب الأميركي جولة التي تشمل اليابان واندونيسا، أكد المكتب الرئاسي في كوريا الجنوبية أن بيلوسي لن تلتقي مع الرئيس الكوري، يون سيوك-يول، أثناء زيارتها لسيول، في خطوة يبدو أنها ترمي لتفادي اغضاب بكين الحليف الرئيسي لغريمتها الشمالية. من جانب آخر، أعربت طوكيو عن قلقها لبكين بشأن المناورات العسكرية الصينية في المياه المحيطة بتايوان والتي تتداخل مع المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان.جاء ذلك في وقت حذر الكرملين من أن مستوى التوتر الذي أثارته زيارة بيلوسي لتايوان «لا ينبغي الاستهانة به»، فيما قال وزير الخارجية سيرغي لافروف، إن الخطوة تعبر عن «رغبة واشنطن في إظهار عدم احترام القانون للجميع على أساس مبدأ أنا أفعل ما أريده». كما انتقدت كوريا الشمالية ما وصفته بـ «التدخل الوقح» للولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للصين، مؤكدة دعمها الكامل لموقف بكين.