استكمالاً لهذه السلسلة التي دشنت عبر الأسبوعين الماضيين بالهيدروجين الأخضر والأزرق، أصبح من البديهي أن يدخل المرء في حيثيات الموضوع بصورة موسعة أكثر، ويتطرق إلى المسألة بإسهاب نظراً لأهمية الموضوع الذي يغفل عنه الكثيرون. الهيدروجين وقود المستقبل الذي أصبح الصراع عليه هو الأصل في العمليات الصناعية بل أصبح الاستثمار به هو العامل الأنجع في اقتصادات الطاقة الآن. وهنا استذكرت شخصياً أغنية موسيقار الأجيال الراحل محمد عبدالوهاب حين تغنى بـ «يا ورد مين يشتريك وللحبيب يهديك» لأتطرق إلى المرحلة الفنية التي تلي الهيدروجين الأخضر وهي الهيدروجين الوردي أو الزهري، والذي يطلق عليه أحياناً في بعض الأوساط العلمية البنفسجي أيضاً إذا ما ضمت واستخدمت الطاقة الحرارية لإنتاجه معاً.
وبخلاف ما تطرقنا إليه في الأسبوع المنصرم بشأن وضع الاتحاد الأوروبي ودول العالم الأول في الاستثمار بالهيدروجين، فإن هذا اللون الزهري الذي يطلق على الهيدروجين الناجم من الانحلال الكهربائي باستخدام الطاقة النووية أكثر تعقيداً هذه المرة، وبناء على ما هو متعارف عليه من أن الطاقة النووية خطيرة، ولكنها آمنة بيئياً وذات بصمة كربونية أقل بكثير من المصادر الأحفورية، فإن استخدامها لإنتاج الهيدروجين أصبح أمراً يصبو إليه الكثيرون هذه الأيام هناك في بلاد الصناعات الثقيلة. ولعل أبرز مثال هذه الأيام والذي جعلني أكتب هذا المقال هو إعلان شركتا يونيبر وفورتم نيتهما بيع مقدار 12 كغم من الهيدروجين الزهري يومياً من محطة الوقود النووي في السويد، وللعلم وإن تراءى للبعض أن الكمية بسيطة فهي في الواقع خطوة مهمة في هذا المجال. كان هذا الإعلان بمثابة الرد على التقرير الأممي للوكالة الدولية للطاقة التي أصدرت آخر تقرير لها بطلب من اليابان ينص على أن إنتاج الهيدروجين كوقود من المصادر المتجددة مازال مكلفا (قرابة 7 دولارات لكل كيلو غرام) مقارنة بالمصادر الكلاسيكية، كالغاز الطبيعي (قرابة 3 دولارات لكل كغم) والفحم (قرابة دولارين لكل كغم). هكذا قرأت شخصياً المسألة في هذا السباق العلمي التقني. ورغم خطورة المصادر النووية فإنه أصبح من البديهي جدا أن يتسابق العالم على الهيدروجين ومصادره مع استثمارات من الدول المجاور لنا في هذا العالم، ونحن ما زلنا ملوك الخطط والأوراق والاستراتيجيات حبيسة الأدراج. سمعت أنه تم ابتعاث طلبة لنا في مجال الفيزياء والهندسة النووية، وقد كان لنا برنامج في هذا المجال على مستوى الدولة، فيا ترى ما الذي حصل؟ ومن أوقف العمل؟ ومن دس السم في العسل لنتأخر عن ركب الصناعات العالمية، ونحن دولة ما زلنا نعتمد على مصدر أحادي للدخل والطاقة (النفط)؟! على الهامش: الهيدروجين الأحمر هو ذاك المصنع من عمليات فائقة الدقة والحرارة باستخدام مواد حفازة مع الطاقة النووية. نحن في الكويت لدينا الخبرات في المواد الحفازة، بل لدينا شركة مخصصة لذلك، فوجب على الأقل أن نتطور في مجال البحث والتطوير للحصول على منتجات وطنية تسوق للدولة في هذا المجال كحد أدنى وأضعف الإيمان من بعد قرابة المئة سنة من إنتاج النفط كطاقة! هامش أخير: ونحن نستذكر هذا الأسبوع تلك الذكرى المريرة للغزو العراقي الغاشم على بلادنا الحبيبة، لا يسعنا إلا أن نعقب بأن جل مشاكلنا كمواطنين قبل الغزو كالإسكان والتعليم والصحة هي ذاتها موجودة اليوم! لا يسعنا في هذا الموضوع إلا أن نقول «اللهم ارحم شهداءنا الأبرار وأسكنهم فسيح جنانك يا رب العالمين».
مقالات
عن الاغتراب البيئي... الهيدروجين الزهري
04-08-2022