عادت إلى واجهة الأحداث، مجدداً، قضية الصندوق السيادي الماليزي (1mdb) من خلال نشر بيانات لجماعات ضغط ماليزية، كالصحافة الاستقصائية «تقرير ساراواك»، وموقع Change.org، بيانات تتهم الكويت وأطرافاً فيها بالاستيلاء على ما يراوح بين 5 و6.7 مليارات دولار من أموال الصندوق الماليزي، في قضية متشابكة تتعدد فيها جهات التحقيق من ماليزيا والصين وهونغ كونغ وسنغافورة إلى الولايات المتحدة وسويسرا ولوكسمبورغ، مروراً بدول مجلس التعاون الخليجي، ومنها الكويت.وتكشف هذه البيانات مجموعة جديدة من الاتهامات الخاصة بأطراف كويتية نافذة، مرّت بعضها من خلال النظام المصرفي عبر أحد البنوك الأجنبية العاملة في البلاد، كالتلاعب في صفقات شراء أراضٍ وتعاملات وهمية لشركات مقاولات، وتحويلات مصرفية مشبوهة، وغيرها، كان لنافذين من الكويت دور رئيسي فيها، مستغلّين نفوذهم لتمرير عمليات متعددة في غسل الأموال.
أكبر من الغرامة
صحيح أن الكويت، كدولة، ليست طرفاً معنيّاً بشكل مباشر بعمليات غسل الأموال في الصندوق الماليزي، إنّما هي ضحية معاملات مشبوهة لبعض النافذين فيها، بالتالي من المستبعد أن تتعرّض لدفع غرامة أو تسوية كالتي دفعها قبل عامين بنك «غولدمان ساكس» الأميركي للحكومة الماليزية بنحو 3.9 مليارات دولار، بسبب دوره المشبوه في فضيحة الصندوق السيادي الماليزي، لأن الغرامات والتسويات يدفعها المتورّطون لتحاشي الوقوع في العقوبات الجنائية، لكن هذا لا يعني أن الكويت بمنأى عن التأثيرات السلبية لتداعيات «الصندوق»، حتى وإن كانت غير معرّضة - حسب المعلومات المتوافرة - لدفع أي غرامة أو تسوية مالية.فالآثار السلبية التي يمكن أن تتعرّض لها الكويت، بسبب تداعيات «الماليزي» - وأي قضية معاملات مالية مشبوهة أخرى كصندوق الجيش - إن لم تتفاعل جديّاً مع التطورات الأخيرة، ليست بالضرورة مالية، إذ إن عمليات غسل الأموال غالباً ما ترتبط بشكل وثيق بعمليات تمويل الإرهاب أو الجريمة المنظمة كعمولات السلاح أو تجارة المخدرات أو الرقّ، وهذه النوعية من الجرائم قد تفتح أبواب شرّ على دول صغيرة مثل الكويت؛ أقلّها يتعلق بالسمعة السيئة التي تحرم البلاد من تدفقات الاستثمار الأجنبي أو تقلل من تصنيفات مؤسساتها المالية والمصرفية الى احتمالات التعرّض لإجراءات وعقوبات دولية على الكويت كدولة، أو حتى على بعض مكونات نظامها المصرفي من بنوك أجنبية أو محلية أو شركاتها.تشدد عالمي
فعالم اليوم، خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر وما تلاها من عقوبات على إيران بات أكثر حساسية تجاه أي شبهة، حتى لو كانت محدودة، تتعلق بعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وربما يكون تعالي بعض الأصوات الدولية تجاه عمليات مالية مشبوهة يعكس جانباً من هذه الحساسية، فوكالة أسوشييتد برس للأنباء سبق أن بثّت تقريراً قبل عام عن صندوق الجيش وارتباطاته الدولية، واصفة القضية بأنها اختبار للعدالة في الكويت، وقد أعادت كبريات الصحف العالمية مثل «واشنطن بوست» الأميركية، والـ «إندبندنت» البريطانية نشره، وكان لتصريحات مسؤولين أميركيين عن الفساد في الكويت إشارات غير معتادة في سياق العلاقات الكويتية - الأميركية، ناهيك بإطلاق ورش عمل افتراضية بتنظيم وزارة العدل الأميركية، بالتعاون مع النيابة العامة في الكويت أيضاً قبل عام للتعامل مع القضايا المتعلقة بالإرهاب وغسل الأموال والجرائم الإلكترونية والعملات المشفّرة.إهمال وريبة
ومشكلة الكويت يتعلّق جانب كبير منها ببطء اتخاذ القرار بصورة مريبة، فحتى بعض القرارات التي يُفترض أنها إجرائية أو سهلة، وتحمي البلاد من تداعيات سلبية، يجري التغاضي عنها، أو ربما نسيانها، وهنا لا يرتبط الحديث مثلاً بعمل اتصالات دولية من خلال النيابة العامة أو وزارة الخارجية أو بنك الكويت المركزي لتنسيق المواقف المتعلقة بمدى مسؤولية المؤسسات الكويتية في مثل هذه العمليات المشبوهة، لتلافي تعرُّض سمعة الكويت أو مؤسساتها لأيّ مخاطر، إنما أيضاً بإهمال اتخاذ قرارات أو اتباع سياسات من شأنها تشديد رقابة الدولة على العمليات المشبوهة.فالجهاز المعني بتعقّب العمليات المالية المشبوهة (وحدة التحريات المالية) عاد مجدداً بلا رئيس أصيل كما كان منذ عام 2018، نظراً لتعيين رئيسه لمدة 6 أشهر محافظاً لبنك الكويت المركزي، وقرار وزير المالية السابق في يوليو 2020 بشأن دراسة أوجه القصور في شأن قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لم يتبيّن أثره حتى الآن، بل إن الكويت سُجّلت عام 2021 خارج مؤشر معهد بازل لمكافحة غسل الأموال، بسبب عدم توافر المعلومات اللازمة للتصنيف، رغم أن المؤشر يغطي 110 دول حول العالم؛ مثل زامبيا ومنغوليا وساموا وغواتيمالا، وغيرها من الدول شبه عديمة المؤسسات.إن التراخي بشكل مريب في التعامل مع العمليات المالية المشبوهة يعدّ عامل جذب لمختلف أنواع الجريمة، وقد ظهرت في السنوات القليلة الماضية أنواع غير مألوفة من الجرائم المالية، طالت مؤسسات قضائية وأمنية، وبات الحديث عن تضخّم الحسابات مسألة تطول الساسة و«الفاشينستات» على حد سواء، ولهذا السلوك ضرر عميق، خصوصاً في عالَم الجريمة المالية التي يمكن أن تمرّ فضيحة مليارية عبر ثغرة قانونية، أو حتى إجرائية بسيطة.