بقايا خيال: ليس بالضرورة أن تكون مسلماً لتكون خلوقاً
سافرت إلى كثير من دول العالم من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، لدرجة أنه في عام 1984 وحده سافرت إلى أكثر من 12 دولة خلال فترة لم تزد على أربعة أشهر، وسكان أغلب هذه الدول يدينون إما بالمسيحية (دول أوروبية ودول أميركا الشمالية) أو يدينون بالبوذية (اليابان وكوريا الجنوبية وتايلاند)، وقليل منها يدين بالإسلام. وخلال هذه السفرات العديدة تعرضت، للأسف الشديد، إلى النصب والاحتيال أو السرقة في أماكن مقدسة بالنسبة لنا كمسلمين، ففي الأولى كانت في المدينة المنورة، برفقة زوجتي للمرة الأولى، وفي الثانية كانت مكة المكرمة، لأداء مناسك الحج، وفي الثالثة كانت في مسجد السوق الكبير بالكويت لأداء صلاة العيد... تخيل ثلاثة أماكن مقدسة لا يتوقع المرء أن يتعرض فيها لأي شكل من أشكال السرقة، ورغم ذلك خرجت منها وأنا أتحسر على غياب الأخلاق من سلوك كثير من المسلمين، لأنني لم أكن حينئذ الضحية الأولى، ولن تكون الأخيرة، طالما افتقدنا الثقافة والتثقيف. أغلبية سور القرآن الكريم تتحدث عن كيفية تعامل الناس فيما بينهم، والبقية القليلة من هذه السور تتناول علاقة الناس بالخالق، ولتأكيد أهمية الأخلاق في الإسلام هناك آية يخاطب فيها الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم «وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» - الآية 159 من سورة آل عمران، وفي موضع آخر يقول جل شأنه «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» -الآية 4 من سورة القلم، وفي حديث شريف يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، أي أن البعثة النبوية أو الرسالة المحمدية أخلاقية الأغراض والأهداف أولاً وأخيراً.
والأخلاق الإسلامية الحقيقية سلوك قبل أن تكون أقوالاً، وهذه الأمثلة كلها تؤكد أن مشكلة المسلمين عموماً تنحصر في عدم فهم هذا الدين، ولم يعد المسجد معبداً لتحسين السلوك ولا مدرسة لتقويم الأخلاق، بعد أن صارت مباني للمفاخرة بمن بناها وأبدع في تصميمها، وبدلاً من أن يكون المسجد محراباً للتقرب إلى الله، صار مكاناً لممارسة المصلين طقوساً دينية يفكر كثير منهم خلالها في مصير نعالهم وبما سينجزونه بعد الصلاة. أقول هذا لأنه في كل سنة ومع قرب نهاية العطلة الصيفية وبدء عودة الطيور «الجارحة» إلى موطنها الخليجي، ترد إلينا مقاطع فيديو لممتلكات ومرافق عامة أتلفها، وبشكل متعمد، سياح خليجيون يفاخر كلهم، إن لم يكن أغلبهم، بأنهم مسلمون، وهم أبعد ما يكونون عن جوهر هذا الدين الحنيف الجميل الذي لا يختلف عن أي دين آخر في التفريق بين الخير والشر وبين الفضيلة والرذيلة. وما أكثر الفيديوهات التي انتشرت لخليجيين كانوا يقودون سياراتهم برعونة على الطرقات الأوروبية مهددين سلامة الناس هناك، أو يرمون أوساخهم وبقايا مأكولاتهم في الحدائق العامة، أو إتلاف غرف الفنادق أو «تخريب» سيارات مؤجرة دون تنظيفها وإعادتها لأصحابها كما كانت، أو إتلاف مرافق عامة أخرى دون أن يرف لهم جفن أو يشعروا بوخز من ضمير، أو حتى بتقديم اعتذار... وبعد كل هذه الجرائم التي تسيء لسمعة المحترمين من الخليجيين، وما أكثرهم، يردد كل من هؤلاء المجرمين: الحمد لله أنا مسلم!