تحول إقليم كردستان العراق شبه المستقل إلى هدف عسكري وسياسي عدواني دائم للقوى الشيعية الميليشيساوية في بغداد، لا يمر يوم دون أن تمارس ضده إجراء تعسفياً، ورغم إمكانياته المحدودة والعقوبات الشديدة التي تمارسها حكومة بغداد، فإنه احتضن مئات الألوف من العوائل العراقية النازحة من الوسط والجنوب الهاربة من بطش وقمع الفصائل الطائفية، وقام بواجب الضيافة بأكمل وجه، وقد أشادت هيئات الأمم المتحدة بدور حكومة الإقليم الممتاز في إيواء النازحين واللاجئين السوريين ورعاية شؤونهم، وبحسب الإحصائيات الرسمية يوجد نحو المليونين من هؤلاء النازحين واللاجئين في الإقليم متوزعين في محافظاتها الثلاث، وفي المخيمات التي أقيمت لهم، وهم يحظون برعاية واهتمام ممتازين، رغم قلة إمكانيات الإقليم المادية نتيجة الحصار الاقتصادي الشديد الذي فرضته عليه حكومة نوري المالكي منذ 2014.مما يجدر ذكره أن إقليم كردستان حقق قدراً كبيراً من الأمن والاستقرار ورعاية حقوق الإنسان وتطورت فيه الديموقراطية على أثر دحر القوات العراقية من الكويت وانسحابها من الإقليم عام 1991 بضغط من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بعد صدور قرار مجلس الأمن 688 القاضي بحماية الشعب الكردي من بطش وقمع النظام البعثي البائد الذي كانت له تجارب دموية طويلة معه خصوصا عام 1988 عندما قام بأبشع أنواع جرائم الإبادة الجماعية ضده من القصف الكيمياوي وهدم القرى والمدن على طول الحدود العراقية الإيرانية وقتل أكثر من 180 ألف إنسان بريء نتيجة إخضاعهم لعمليات عسكرية واسعة سميت بـ»الأنفال!» تيمناً بسورة كريمة في القرآن الكريم لإيهام العالم الإسلامي بأن الشعب الكردي الذي أنجب صلاح الدين الأيوبي قاهر الصليبيين وفاتح القدس شعب كافر خارج عن الملة الإسلامية!
ولم يتوقف العداء السافر للإقليم عند الحصار والتجويع الذي مارسه المالكي ضد الإقليم، بل تعداه إلى التحريض والهجوم الخطير على منشآته بالصواريخ والطائرات المسيرة «درون» تمهيدا لنسف كيانه الدستوري وإعادته إلى حظيرة الدكتاتورية «السابقة» وحكم البلد بالحديد والنار، وهذا ما ظهر من خلال صدور قرار «سياسي» من المحكمة العليا القاضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز الصادر من البرلمان الكردي عام 2007.ونتيجة تراكم الأزمات بين بغداد وأربيل وسياسة التبعية الطائفية والهيمنة التي مارستها الأحزاب الشيعية ضد المكونات غير الشيعية وعدم تطبيق أهم مواد الدستور المادة 140 التي تعالج الأراضي المتنازع عليها بين العراق وإقليم كردستان والمادة 119 التي تجيز إقامة إقليم إذا اتفقت ثلاث محافظات على إقامته، وهي تخص المدن السنية، فإن الأحزاب والميليشيات الطائفية رفضت تنفيذ هذه المادة الحيوية. هذه الأسباب وغيرها كعدم مواجهة الفساد ومحاسبة المفسدين وتسييس القضاء والنزاهة والإصرار على نظام المحاصصة وغيرها دفعت بالعراقيين إلى الانتفاضة واقتحام المنطقة الخضراء والبرلمان وإشعال ثورة عارمة لتغيير الدستور وقلب النظام السياسي برمته، هذا ما يطلبه مفجر الثورة الصدرية «مقتدى الصدر» من قوى الإطار التنسيقي الأحزاب والفصائل الشيعية الموالية لإيران.ورغم دعوات السلام التي تنطلق بضرورة الاحتكام للعقل والحوار، فإن الصدر مصر على مطالبه، ومن أهم هذه الدعوات التي حظيت بموافقة الإطار التنسيقي مبادرة رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني الذي دعا طرفي الصراع لزيارة أربيل للتوصل إلى حل وفقا للدستور والشرعية وحث «الأطراف السياسية على التزام ضبط النفس والحوار المباشر»، والحؤول دون وصول الأمور لطريق مسدود! ورغم ترحيب قادة قوى الإطار بمبادرة بارزاني، فإن الصدر مازال متجاهلاً كل الأصوات الداعية للحوار مندفعاً مصراً على شروطه «التعجيزية!» * كاتب عراقي
اضافات
دعوة للإصلاح أم للانقلاب؟!
05-08-2022