بعد يومين من استمرار استعراض بكين قواتها العسكرية وإرسالها «عدداً قياسياً» من الطائرات الحربية والسفن البحرية إلى مناطق حول تايوان، أعلنت وزارة الدفاع التايوانية، أمس، أن التدريبات العسكرية الصينية، بدا أنها تحاكي «هجوماً» على جزيرتها الرئيسية، مشيرة إلى أن الجيش رد بتنظيم دوريات جوية وإرسال سفن بحرية ونشر نظم صواريخ على الأرض، وإصدار تحذيرات لاسلكية، كما أن سلاح الجو نشر طائرات مقاتلة أمس، لإبعاد 20 طائرة صينية من بينها 14 عبرت الخط الفاصل في مضيق تايوان.وأثارت الزيارة التي قامت بها الى تايوان الأسبوع الماضي رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، (الثانية في تراتبية شغل منصب الرئاسة في حال شغوره)، غضب الصين التي ردّت بإطلاق مناورات واسعة حول الجزيرة، رغم أن ذلك قد يكشف خططها العسكرية أمام خصومها كالولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
وتشارك مقاتلات ومروحيات وسفن في المناورات العسكرية الممتدة الى اليوم، وتهدف الى محاكاة فرض حصار على تايوان واختبار «الهجوم على أهداف في البحر»، وفق وكالة شينخوا الصينية الرصصسمية.وهذه المرة الأولى التي تقترب فيها المناورات الصينية الى هذه الدرجة من تايوان، إذ تجرى تمارين على بعد أقل من 20 كلم من سواحل الجزيرة.وفي خطوة أخرى غير مسبوقة، تشمل المناورات مناطق شرق تايوان تعدّ ذات أهمية استراتيجية في إمداد القوات العسكرية للجزيرة، إضافة الى أي تعزيزات أميركية محتملة في حال تعرضت حليفة واشنطن لهجوم صيني.وتتمتع تايوان بالحكم الذاتي، إلا أن الصين تعتبرها جزءا لا يتجزأ من أراضيها، ولوّحت باستعادة السيطرة عليها في نهاية المطاف، ولو بالقوة.وبعدما تردد لمدة طويلة أن «سيناريو الحصار» قد يكون من الاستراتيجيات الصينية المعتمدة في حال الهجوم على الجزيرة، كشفت المناورات جانبا من الجانب العملي لهذه الخطة.وسيهدف الحصار في حال فرضه، للحؤول دون دخول السفن والطائرات التجارية والحربية الى تايوان أو مغادرتها، ومنع أي قوات أميركية متمركزة في المنطقة من إسناد الجانب التايواني.
المسرح الشرقي
وأبعد من اختبار المعدات، تتيح المناورات تحسين التنسيق بين الوحدات العسكرية كالقوات البرية والبحرية والجوية والصاروخية، إضافة الى الدعم الاستراتيجي الموكل للحرب الإلكترونية.وتعد المناورات اختبارا محوريا لـ «المسرح الشرقي لعمليات الجيش الصيني» الذي تم إنشاؤه عام 2016، ويشرف على كامل المساحة البحرية الشرقية التي تضم تايوان.ويرى أستاذ الأمن الدولي في جامعة أستراليا جون بلاكسلاند، أن المناورات تكشف «القدرات الصلبة» للصين، وأنه لا يمكن اعتبار جيشها «قوة بلا خبرة أو غير قادرة من الواضح أن لديهم القدرة على التنسيق بين البر والبحر، وعلى نشر أنظمة صاروخية تعمل بنجاعة».وبينما دعا البيت الأبيض الصين إلى وقف المناورات العسكرية، بُغية خفض منسوب التوتر في المنطقة، أعلن وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، أن بلاده لن تسمح للولايات المتحدة بإعادة العالم إلى سيادة قانون الغابة، بدلا من القانون الدولي وقواعد العلاقات الدولية.وقال وانغ: «سندافع بحزم عن سيادة ووحدة الأراضي الصينية وردع المحاولات الأميركية لاستخدام تايوان لمراقبة الصين، وسنزيل أوهام قيادة تايوان بشأن احتمال اعتمادها على الولايات المتحدة في سعيها للاستقلال».تهديد كوري
في غضون ذلك، نددت كوريا الشمالية، أمس، برئيسة مجلس النواب الأميركي إثر زيارتها أخيراً المنطقة المنزوعة السلاح الشديدة التحصين، واصفة إياها بأنها «أسوأ مدمّر للسلم الدولي».وقبل زيارة «منطقة الأمن المشترك» الفاصلة بين الكوريتين، ناقشت بيلوسي مع نظيرها الكوري الجنوبي رئيس الجمعية الوطنية، كيم جين بيو، «الوضع الخطير» والتهديد المتزايد الذي يشكله برنامج كوريا الشمالية للأسلحة النووية.ونددت كوريا الشمالية، أمس، بمحادثات بيلوسي مع كيم وزيارتها «منطقة الأمن المشترك».وقال المسؤول في «الخارجية» الكورية الشمالية، جو يونغ سام، إنه فضلا عن محادثات الردع، «زارت بيلوسي منطقة الأمن المشترك في بانمونغوم، لتكشف بشكل جليّ السياسة العدائية للإدارة الأميركية الحالية تجاه كوريا الديموقراطية الشعبية».وأضاف أن «الولايات المتحدة تصبّ الزيت على النار، وبيلوسي، أسوأ مدمّرة للسلم والاستقرار الدوليين، وأثارت غضب الشعب الصيني بزيارتها الاستعراضية إلى تايوان».وتابع: «ستدفع الولايات المتحدة ثمنا باهظا لكل مصادر المشاكل التي أثارتها بيلوسي أينما حلّت».بلينكن والفلبين
وفي محاولة لتهدئة المخاوف بشأن مدى التزام بلاده بمعاهدة للدفاع المشترك، أكد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، للفلبين، أمس، أن الولايات المتحدة ستهرع للدفاع عنها إذا تعرّضت لهجوم في بحر الصين الجنوبي.ويعد بلينكن أرفع مسؤول أميركي يقابل الرئيس الجديد فرديناند ماركوس الابن، نجل الرجل القوي الراحل الذي ساعدته واشنطن على الفرار إلى المنفى في هاواي، بعد انتفاضة عام 1986 التي أنهت حكمه الذي دام عقدين من الزمن.وقال بلينكن إن الاتفاقية الدفاعية التي وقّعت قبل 70 عاما مع الفلبين «صلبة كالفولاذ». وأضاف: «أي هجوم مسلح على القوات المسلحة الفلبينية أو السفن والطائرات العامة من شأنه أن يُفعّل التزامات دفاعية للولايات المتحدة بموجب تلك المعاهدة. الفلبين صديق وشريك وحليف للولايات المتحدة لا يمكن الاستغناء عنه».وحاول ماركوس التقليل من حدة التصعيد الدبلوماسي بشأن تايوان، وقال إنه يعتقد أن رحلة بيلوسي «لا تزيد من حدة» الوضع المتقلّب بالفعل.وتعد الفلبين نقطة ارتكاز للتنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين، ويواجه ماركوس تحديا صعبا في موازنة العلاقات بين القوتين الرئيسيتين.كما يواجه ضغوطا داخلية للوقوف بوجه الصين في بحر الصين الجنوبي، من دون إغضاب قيادتها.