المنطق الاستراتيجي وراء زيارة بيلوسي لتايوان
ترافقت زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، إلى تايوان مع الكثير من الجدل، فلماذا قررت زيارة تايوان في هذه المرحلة الحساسة من العلاقات الصينية - الأميركية، تزامناً مع اقتراب شي جينبينغ من بدء ولايته الثالثة كزعيم الصين الأول ونزعته إلى زيادة صرامته تجاه تايوان؟ ما المغزى الحقيقي من هذه الزيارة؟ هل أرادت بيلوسي أن تتخذ خطوة مؤثرة لنشر السلام والأمن في مضيق تايوان، أم أنها تريد بكل بساطة إلقاء الخطابات الرنانة والتقاط الصور؟قد يستنكر البعض هذه الزيارة ويعتبرها استعراضية، لكنها تحمل منطقاً استراتيجياً معيّناً، حيث تقتبس بيلوسي، في الافتتاحية التي كتبتها في صحيفة «واشنطن بوست» لتفسير سبب زيارتها، مقطعاً من «قانون العلاقات مع تايوان»، ثم تقول إن «زيارة وفد من الكونغرس الأميركي يُفترض أن تُعتبر موقفاً لا لبس فيه حول دعم الولايات المتحدة لتايوان». أعلنت بيلوسي في نهاية رحلتها أن التزام واشنطن بالديموقراطية في تايوان «حديدي»، وهذا الكلام ليس فارغ المضمون.تسعى الولايات المتحدة إلى منع بكين من استعمال الإكراه العسكري ضد الجزيرة، وسيكون دور الكونغرس أساسياً لتحديد نجاح هذه المساعي أو فشلها. بحكم القانون، يمنح «قانون العلاقات مع تايوان» والدستور الأميركي الكونغرس دوراً محورياً لاختيار طريقة الرد الأميركي على حالات الطوارئ في مضيق تايوان، وبحكم الواقع، تصبح التهديدات الرادعة التي تطلقها السلطة التنفيذية أكثر مصداقية حين تحظى بدعم الكونغرس.
لكن كيف يمكن إطلاق توقعات منطقية حول رد الكونغرس المحتمل على هجوم الصين ضد تايوان؟ واجهت إدارة أيزنهاور هذه المشكلة بالذات خلال أول أزمة في مضيق تايوان، واقترح الرئيس حينها الحصول على موافقة رسمية من السلطة التشريعية لاستعمال القوة العسكرية. هذا الطلب أنتج «قرار فورموزا» الذي كان يهدف، على غرار السياسة الأميركية اليوم، إلى ردع التحركات الشيوعية ضد تايوان. وبعد إلغاء «قرار فورموزا» في عام 1974، تبقّى للولايات المتحدة مستويان من الغموض الاستراتيجي في فرعَي الحكومة المرتبطَين باتخاذ القرارات المتعلقة بطريقة التعامل مع الأزمة في مضيق تايوان. لا تُعتبر زيارة بيلوسي محاولة لاستنزاف الغموض الاستراتيجي إذاً، بل إنها تهدف إلى منع بكين من تغيير الوضع الراهن بطريقة أحادية الجانب.لكن تبدو مخاطر تصعيد الوضع مقلقة، وقد يفسّر الحزب الشيوعي الصيني زيارة بيلوسي كمحاولة لإضعاف الطابع غير الرسمي للعلاقات الأميركية - التايوانية، وقد ينفذ تهديداته المقلقة باستعمال القوة ضد تايوان. لكن قبل اعتبار زيارة بيلوسي استفزازية وغير مبررة، يجب أن يدرك الجميع المنطق الاستراتيجي الكامن وراء هذه الخطوة، ففي ظل غياب أي تفويض من الكونغرس لاستعمال القوة العسكرية الأميركية في مضيق تايوان سيكون تمرير قرار مماثل أكثر استفزازاً من زيارة بيلوسي، ويؤكد هذا النوع من الزيارات على امتناع الكونغرس عن تكبيل يد الرئيس في حال وقوع حالات طارئة في تايوان.لكن رغم المنطق الاستراتيجي وراء زيارة بيلوسي، يشير هذا التوجه إلى ضعف السياسة الأميركية تجاه تايوان بدل إثبات قوتها. يضع المحللان السياسيان زاك كوبر وبوني غلايزر هذه السياسة في خانة «الارتباك الاستراتيجي»، وتُعتبر زيارة بيلوسي مؤشراً على ذلك الارتباك: يقول الرئيس جو بايدن إن تايوان مستقلة، ويعتبرها وزير الخارجية الأميركي بلداً بحد ذاته، مع أن الولايات المتحدة تبقى حيادية رسمياً بشأن مكانة تايوان بموجب «سياسة الصين الواحدة». في غضون ذلك، تزور رئيسة مجلس النواب تايوان وتفتعل أزمة مع بكين لإثبات دعم الكونغرس للجزيرة. يبدو أن الولايات المتحدة ترتجل سياستها تجاه تايوان إذاً، فتؤجج شكوك بكين بشأن النوايا الأميركية الحقيقية وتزيد مخاطر اندلاع الصراعات في مضيق تايوان.* جيمس لي وباتريك هولمي