الهي... عبدٌ من عبيدك يؤمن إيماناً مطلقاً بسرمديتك، وأزليتك، ووحدانيتك - جلّت قدرتك - يناجيك في خشوعٍ وهو واقف أمام البيت العتيق الذي أمرت ببنائهِ ليحُجّ إليك من خلالهِ الناس - سُبحانك. إلهي... لستُ ممّن يبررون الذنوب والمعاصي والأخطاء التي ارتكبها، مُلقياً إياها على الشيطان الذي تعهّد بإغواء عبادك أجمعين، كلا، وإنّما أحملها إلى ضَعف نفسي التي انساقت وراء ما أبهرها من أراجيف الحياة، ومزايفها، وبهارجها الخادعة، وبالابتعاد عن تعاليمك التي أوحيت بها وأنزلتها على أنبيائك لتُرشدنا إلى الطّرق الصحيحة، لكننا آثرنا الكِبر، والعصيان، والتعنت، واستسلمت نفوسنا للضعف والنّزق والشهوات.
وأعترف الآن - يا رب - أمام البيت الذي أمرت أن يُبنى لعبادك ليطوفوا حوله وقلوبهم تهفو إليك مناديةً «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك»، ويرجون من كرمك لأنفسهم النجاة، لأنك المُنجي، والرحمة، لأنك الرحيم، والرأفة، لأنك الرؤوف، والمغفرة، لأنك الغفور.فيا أيّها الكمال المطلق، ويا من ليس كمثلهِ شيء، ويا من تغفر الذنوب جميعاً - إلا أن يُشركَ بك - أدعوك أن تُكرم عبدك الذي قصد بيتك مُستغفراً لذنوبهِ ومعاصيهِ، راجياً منك العفو والعطف والغفران.. يا رب.*** إلهي... تتزاحم بداخلي أمام رمزك المقدس في بيتك العتيق أطنانٌ من الذنوب والمعاصي، لتُبرز نفسها على شاشة نفسي، فيستيقظ حتى المُتكلّس منها، لُيعيد إلى ذاكرتي تلك البشاعات المشمئزة التي ارتكبتها بحقّ نفسي وحق الآخرين، فأُدرك كم هي طويلة قائمة سوء أعمالي، وكيف - يا رب - سيكون المصير الذي سألقاهُ عندك يوم الحساب؟ فإذا لم تُدركني برحمتك، ومغفرتك، سأبقى فريسةً للخوف، والرعب، والفزع، والجزع.ولكي أخفف عن نفسي من هذه المشاعر التي اكتنفت حياتي وأنا أطوف مع الطائفين في رحاب الكعبة، أخذت أردد معهم: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار»، كررتها مرات ومرات.. ثم طرحت على نفسي سؤالاً: هل هـؤلاء الذين يدعون الله بالدموع هُم مثلي؟ قصدوا مكة يرتجون لأنفسهم الرحمة، والرأفة، والغفران؟ أراحني الجواب: إنك لستَ المذنبَ الوحيد الذي يسعى إلى مغفرة ربهِ. ***إلهي... عبدك لا يُقايض في عبادتهِ، كأؤلئك الذين يظن الواحد منهم أنهُ يخرج من مكة كما ولدتهُ أمهُ، وأنهُ مسح كل ذنوبهِ فلا يُقدم على عملٍ خشية الخطأ، فأنت - يا إلهي - تبلونا لترى أيّنا أحسن عملاً في مواجهة الحياة، وتُحب إذا عمل أحدُنا عملاً فيها أن يتقنه، وعبدك - يا رب - قد تجاوز الثمانين، وهو يجتهد بالعمل اعتقاداً منه أن العمل الصالح عبادة... فلعلّي في السنوات القليلة المتبقية لي من العمر أنجز ما يرضيك، وألقاك بوجهٍ نقيّ أبيضَ... يا رب.
أخر كلام
مناجاة في مكة
09-08-2022