وجهة نظر: تاريخ الكويت المكتوب ما زال ناقصاً
حين يكتفي المؤرخون الكويتيون (إن صح الوصف) بمنطقة واقعة بين الساحل والسور والكتابة عن تاريخها فقط، فإن ذلك يعني أن مجموع ما تم تغطيته من جغرافيا الكويت السكانية لا يتجاوز 1 في المئة، وأنا هنا لا أنتقد من كتبوا عن هذه المساحة المحدودة جداً بخصوص الجغرافيا والأحداث والسكان، فهم قاموا بواجبهم تجاه وطنهم بحسب الحدود المعرفية المتاحة لديهم، ولكني أنتقد مؤسسات الدولة المتخصصة التي لم تقم بواجبها تجاه قضية التدوين التاريخي الذي يفترض أن يحدث لا الذي يتمنى البعض أن يكون، وأنا هنا أمام ملاحظتين لا أعرف إن كنت مصيباً بهما أم مخطئ:الملاحظة الأولى: باستثناء كتاب «تاريخ الكويت الحديث» لم أقرأ بحثاً تاريخياً أكاديمياً بنفس المستوى رغم الملاحظات الكثيرة التي أثارها أحد الباحثين الخليجيين حول الكتاب والتي كررها بعض كتبة التاريخ عندنا أحياناً بذكر مصدر الملاحظات وأحياناً الاكتفاء بذكر الملاحظات فقط وكأنها استدراكات شخصية وليست تكراراً لاستدراكات أحد أعلام الجزيرة على الدكتور أبوحاكمة.الملاحظة الثانية: أن الذين كتبوا عن البحر والغوص والتجارة البحرية والرحلات أجادوا وحفظوا ذلك التاريخ بطريقة واقعية ومصدرية يمكن العودة لها في البحوث الأكاديمية، وقد لا يكون كُتاب تلك البحوث متخصصين بالكتابة التاريخية، لكن الواضح من كتاباتهم مهنيتهم ومعرفتهم بالأسماء والأحداث والسير والطرق والأماكن البحرية بطريقة يتضح من خلالها ممارستهم لما كتبوا عنه أو معاصرتهم له أو قربهم ممن مارسوا أو عاصروا موضوعات تلك البحوث.
ورغم أن بعض الكتابات التاريخية الكويتية الحديثة عالية القيمة وتطرقت إلى موضوعات جديدة لم يتم التطرق لها من قبل، وقد كتبها مؤرخون كويتيون متخصصون شباب أمثال د. عيسى دشتي ود. عبدالهادي العجمي ود. محمد الحبيب وبعض الكتاب الآخرين المتخصصين في التاريخ، ولكن هؤلاء المتخصصين ما زالوا في بداية الطريق وننتظر منهم الكثير من الأبحاث المتخصصة التي تغلق الثغرات التاريخية الكويتية والجوانب المهملة. فالحاجة لاستكمال الكتابة حول الحقول البكر ما زالت كبيرة جداً، لكننا بحاجة إلى كتاب من الحجم الكبير يقومون بتغطية المساحات العمياء مثلما كتب المصري د. جمال حمدان «شخصية مصر» في الجغرافيا، ومثلما كتب السعودي حمد الجاسر علامة الجزيرة موسوعة معجم المملكة، ومثلما كتب العراقي د. علي الوردي في أبحاثه بالتاريخ الاجتماعي العراقي التي أصبحت مصدراً مهماً للكتابات التاريخية والاجتماعية، ومثلما كتب بعض الكتاب العرب الكبار بعض البحوث التاريخية التي كانت علامة فارقة في بناء الشخصية التاريخية لبلدانهم.إن هذا النوع من الكتابات الإبداعية لا يتوقف المردود المعنوي له على الكمال المعلوماتي التاريخي وأثره في الشخصية الثقافية الاعتبارية للأمة، بل يمكن أن تقدم كمية من المعلومات الدقيقة التي تخدم الدولة في التعامل مع المشاكل الاجتماعية والأمنية والثقافية والتخطيطية، وحتى في التعامل مع المعتقدات والأفكار بطريقة واقعية تتناسب مع الشخصية الكويتية من مختلف الفئات، وبطريقة تستدعي معها الإرث الثقافي للمجتمع بالشكل الذي يفرض القبول والرضا لدى الجميع في الربح أو الخسارة، ولعلي لا أكون مبالغاً أو بعيداً عن الصواب إذا قلت إنه لو توفرت هذه الثقافة التي تأتي كنتيجة تلقائية للتكامل التاريخي في بحوث المؤرخين الكويتيين لما كنا نعاني من مشكلة كبرى تسببت في ظلم فئة اجتماعية كويتية أصيلة مثل «البدون».